03‏/09‏/2016

بحث موجز رائع: (مهارة الحفظ في تراثنا) - بقلم/ أ. د. رياض بن حسن الخوام.

.

بسم الله الرحمن الرحيم


(مهارة الحفظ في تراثنا)
بقلم/ أ. د. رياض بن حسن الخوام
جامعة أم القرى

الحمد لله على كثرة آلائه، والصلاة والسلام على سيد أنبيائه، محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله و أصحابه، وأتباعه وأوفيائه، وبعد: 

فلعلي لا أكون بعيداً عن الحقيقة ولا مجانباً للصواب، إن زعمت أن مهارة الحفظ هي من أرقى المهارات التي تجب العناية بها، لأنها تاج البراعات، فهي في سلم درجات الوصول إلى العلم تأتي في قممها، قال ابن المبارك:
"أولُ العلم النية ثم الاستماع ثم الفهم ثم العلم ثم الحفظ ثم النشر" ([1]) وإنما جاءت مرتبتها في القمة، لأن العلم هو ما خزنته الصدور لا ما خزنته الدفاتر ([2]).

وقد أشار إلى هذا الشاعر محمد بن بشير الخارجي بقوله:


ليس بعلمٍ ما حوى القِمطرُ *** ما العلمُ إلا ما حواه الصدرُ


لقد أدرك أسلافنا رحمهم الله تعالى قيمة هذه المهارة، (لأنها العلم كله)، فأرهقوا لتحصيلها أجسامهم، وقضوا لتزكيتها أعمارهم، وأشغلوا لتثبيتها أوقاتهم، ووفقهم الله في مسعاهم، حتى صارت علوم الحضارة الإسلامية كلها في صدورهم وعقولهم، وها هي آثارها الآن حاضرة متجسدة فيما خلفوه لنا من تآليف وتصانيف، يعجز العادُّ عن عدها، وتقصر فيما أحسب حواسب الحاسبين والحاسبات عن حصرها، رحمهم الله تعالى.

- فما حقيقة هذه المهارة ؟
- وما وسائل هذه البراعة ؟
- وما مظاهرها عند حذاقها وصناعها ؟
- وكيف سار القوم في حفظها وتثبيتها ؟
- وهل من سبيل إلى الرجوع إليها ؟


هذا ما أردت بيانه في هذا البحث الموجز
وبالله التوفيق


ـــــــ ،،، ـــــــ

الحفظ لغة واصطلاحاً: أجمعت المعاجم اللغوية على أن (الحفظ) يقابل الضياع، فهو مصدر حَفِظَ، يَحْفَظُ، حِفْظاً، كعلِمَ..

يقال: حفِظ المال، أي رعاه وحرسه ومنعه من الضياع والتلف وصانه عن الابتذال ([3]).
ويقال: حفظ القرآن إذا وعاهُ على ظهر قلبه ([4]).
ويقال: تحفَّظتُ الكتاب أي استظهرته شيئاً فشيئاً، وحَفّظته الكتاب، أي حملتُه على حفظه، واستحفظته أي سألته أن يحفظه ([5]).
ويقال: أيضاً رجلٌ حافظ لدينه وأمانته ويمينه وحفيظ، والجمع حَفَظَة وحُفَّاظ مثل كافر في جمعيهِ ([6]).
والحفظة: هم الملائكة الذين يكتبون أعمال بني آدم ([7]).
والحِفْظ: التيقظ وقلة الغفلة، يقال: قد أحفظته فاحتفظ، أي أغضبته فغضب، والحفيظة: الغضب والحمَّية ([8]).


والمستفاد مما قدمته المعاجم عن هذه المادة واشتقاقاتها ما يأتي:
1- أن دلالة هذه المعاني كلها تعود إلى أن الحفظ هو عدم الضياع أو التلف أو الابتذال، والأمر ظاهرٌ في كل ما ذكرناه إلا الدلالة على الغضب، فبالتأمل نلحظ أن هناك صلةً بين الضياع والابتذال والغضب، فالغاضب إنما يغضب ليحافظ على حقيقته ونفسه من الضياع والابتذال. 

2- أن هذا الحفظ قائم على إرادة الاستمرار والديمومة كما هو الحال حين أطلقوا على الملائكة الكاتبين أنهم حفظة لتسجيلهم أعمال الناس إلى يوم القيامة.

3- أن دلالة الحفظ ظهرت واضحة في البيئة الدينية، فالرجل الحافظ هو الحافظ لدينه وأمانته ويمينه، وحفظ القرآن إذا وعاه عن ظهر قلب.

4- أن العربية نشطت في توليد اشتقاقات من هذه المادة، تصور الواقع الذي اتضحت منه ظاهرة الحفظ، فهناك عبارات تتعلق ابتداءً بحفظ النصوص، نحو:
(تحفَّظت الكتاب) أي: استظهرته شيئا فشيئاً، وما أحسنَ قولهم: (شيئاً فشيئاً) لما فيها من دلالة تشير إلى وسيلة من وسائل الحفظ، فبالتدريج والتكرار تُكتسب هذه المهارة وتظهر هذه البراعة.

5- أن الحفظ عندهم هو الحفظ مع الفهم، بدليل قول الفيومي:
"حَفِظَ القرآن إذا وعاه عَلَى ظَهْرِ قَلْبِهِ"
 أي: فهمه ووقف على معانيه.

أما في الاصطلاح: فلم نظفر على مصطلح محدد للحفظ، ولعلنا لا نبعد عن الصواب إن قلنا:
إن الحفظ المراد هنا هو حفظ نصٍّ ما عن ظهر قلب ووعيه لاستظهاره دائماً لاكتمال العلم فيه، ولعل هذا التعريف ينطبق على تفسير هذه المهارة التي برزت في سماء ثقافتنا العربية الإسلامية.


وأحسب أنه لابد أيضا لفهم الظاهرة من أن نعرض لمعنى النسيان الذي هو ضد الحفظ، فهو مصدر الفعل نسِي الشيء نسياً كرمى رمياً، ونِسياناً ونِساية ونساوة بكسر النون فيهن والنّسي بالكسر ويفتح ما نُسي، والنَّسي للكثير النسيان بالكسر والفتح ([9])، وبين الفيومي أن النسيان مشترك بين معنيين:
أحدهما: ترك الشيء على ذهول وغفلة، وذلك خلاف الذكر له.
والثاني: الترك على تعمد وعليه قوله تعالى (ولا تنسوا الفضل بينكم) أي لا تقصدوا الترك والإهمال.

وأضاف قائلاً إن هذا الفعل يتعدى بالهمز والتضعيف ([10]).

وفرق أصحاب المعجم الوجيز بين الفتح والكسر بأن الفتحة للكثير الغفلة والنسيان، أما الكسر فهو فقدان مؤقت لما حفظه الذهن من صور وأفكار وكلام ([11]).

والواضح من هذا كله أن النسيان سواء أكان بفتح النون أم بكسرها هو ضد الحفظ، وهذا الضد أي النسيان تنوع إلى نوعين، فهو إما عن ذهول وغفلة، وإما عن قصد وعمد.


ـــــــ ،،، ـــــــ

أسباب نشوء مهارة الحفظ وانتشارها:

ترجع هذه المهارة إلى عاملين:
الأول: تلك الموهبة التي يمنحها الله بعضَ عباده.
والثانية: الهمة العالية التي قد تتحقق عند شخص ما فتدفعه إلى القيام بأسباب عناية هذه الموهبة، وتنمية هذه البذرة حتى تصير شجرة مثمرة يانعة.

وقد أشار العلماء القدماء إلى هذين العاملين حين تحدثوا عن العقل وحقيقته، قال الأبشيهي:
واعلم أن العقل ينقسم إلى قسمين:
قسم لا يقبل الزيادة والنقصان، وقسم يقبلهما.

فأما الأول: فهو العقل الغريزي المشترك بين العقلاء.
وأما الثاني: فهو العقل التجريبي وهو مكتسب، وتحصل زيادته بكثرة التجارب والوقائع. ([12])


ولذا فهذه المهارة أصلها موهبة من الله تتجلى في حدة الذكاء وفطانة القلب، ثم تنمو بالمران والممارسة فتصير بذلك مهارة من أرقى المهارات، وأمرها كأمر رياضة الأعضاء، فبالرياضة المتكررة يقوى الجسم ويكتمل.

أما انتشار هذه المهارة وتحققها عند العرب المسلمين فلها عدد من الأسباب، إضافة إلى العاملين اللذين ذكرناهما من قبل، هذه الأسباب هي:
1- أن العرب في الأصل أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب، فليس أمامهم إلا الاعتماد على الحفظ، وقد وهبهم الله هذه المنحة وفضلهم بهذه الخِصِّيصة، وهذا الأمر بين واضح.

2- رغبة بعض الموهوبين أن يكونوا شعراء، والمعلوم أن الشاعر لابد له في الأصل من موهبة يردفها مخزون لغوي شعري، وحينئذٍ عليه أن يحفظ الكثير من الشعر ليكوِّنَ مخزوناً لغوياً منمقاً بتفاعيل وموسيقى راتبة، فيختمر هذا المخزون ثم يجيش الصدر بها لحدثٍ ما، فينفجر ينبوع الشعر وينسكب، قال أبو نواس مشيراً إلى ذلك:
"ما قلت الشعرَ حتى رويت لستين امرأةً منهن الخنساء وليلى، فما ظنك بالرجال" ([13]).

وكان أبو تمام الطائي الشاعر المشهور يحفظ أربعة آلاف أرجوزة غير القصائد والمقاطيع ([14]).

ولقد أشار ابن خلدون إلى فائدة هذا الحفظ فبين أنه يُنتج الأساليب اللغوية الراقية، لأن كثرة المحفوظ تؤدي إلى محاكاة هذا المحفوظ، قال:
"ووجه التعليم لمن يبتغي هذه الملكة ويروم تحصيلها، أن يأخذ نفسه بحفظ كلامهم القديم الجاري على أساليبهم من القرآن الكريم والحديث وكلام السلف ومخاطبات فحول العرب في أسجاعهم وأشعارهم وكلمات المولدين أيضاً في سائر فنونهم حتى يتنزل لكثرة حفظه لكلامهم من المنظوم والمنثور منزلة من نشأ بينهم ولقن العبارة عن المقاصد منهم". ([15])



3- أن هناك حثاً على رواية الشعر، ورواية الشعر لا شك تستلزم حفظ ما يراد حفظه، الأمر الذي يدعم هذه المهارة ويقويها وما أكثر الأقوال التي تحث على رواية الشعر وترغب فيه، قالت عائشة رضي الله عنها:
"رَوّوا أولادكم الشعر تعذبْ ألسنتهم" ([16]).

وقال سيدنا عمر 
رضي الله عنه:
"أُرووا الشعرَ فإنه يدلُّ على محاسن الأخلاق وينفي مساويها" ([17]).

وتحدث ابن رشيق القيرواني عن فائدة رواية الأشعار، التي قد تكون سبباً في اتجاه الشعراء والعلماء إلى الحفظ قال:
"فقد وجدنا الشاعرَ من المطبوعين المتقدمين يفضل أصحابه برواية الشعر ومعرفة الأخبار، أنه إذا كان راوية عرفَ المقاصد، وسهلَ عليه مآخذ الكلام، ولم يضق به المذهبُ، وإذا كان مطبوعاً لا علم له ولا رواية، ضلَّ واهتدى من حيث لا يعلم، وربما طلبَ المعنى لم يصل إليه وهو ماثل بين يديه، لضعف آلته، كالمُقعد يجد في نفسه القوة على النهوض، فلا تعينه الآلة" ([18]).

ومن القصص الدالة على ترغيبهم في حفظ الشعر وروايته أن زياد بن عبد الله وفدَ على معاوية فقال له:
"أقرأتَ القرآن ؟.
قال: نعم.
قال: أقرضتَ القريضَ ؟.
قال: نعم.
قال: أَرويت الشعرَ ؟.
قال: لا.
فكتب إلى عبدالله: أبا زياد بارك الله لك في ابنك فاروه الشعرَ فقد وجدته كاملاً
" ([19])، فالظاهر من هذا كله أن رواية الشعر كانت سبباً من أسباب اتساع ظاهرة الحفظ وتأكيدها.

4- لعل إكرام الخلفاء والسلاطين للأئمة المشهورين من الحفظة كان سبباً من أسباب انتشار هذه المهارة، فهاهي قصة حماد الراوية الديلمي الكوفي المتوفى سنة 155هـ مع الوليد بن يزيدِ الأموي تفيد ذلك، قال له الوليد:
"لِمَ سُمِّيتَ الراوية ؟.
قال: لأني أَروي لكل شاعر سمعتُ به أو لم أسمعْ، وأُميز بين قديمها وحديثها.
قال له: كم تحفظُ من الشعر ؟.
قال: كثير، لكني أُنشدُ على كل حرف مئةَ قصيدة سوى المقطعات من شعر الجاهلية، دون الإسلام فامتحنه في ذلك فوجده كما قال، فأمر له بمائة ألف درهم، ووهبه هشام مائة ألف درهم
" ([20]).

ومن ذلك ماذكروه عن أبي محلّم الشيباني الراوية المعروف المتوفى سنة 245هـ، قال المرزباني:
أخبرني محمد بن يحيى حدثنا الحسين بن يحيى قال:
"رأى الواثق بالله في منامه كأنه يسأل الله الجنةَ، وأن يتغمده في رحمته ولا يهلك بما هو فيه وأن قائلاً قال له: لا يهلك على الله من قلبه (مَرْتٌ)، فأصبحَ فسأل الجلساءَ عن ذلك فلم يعرفوا حقيقته فوجَّه إلى أبي محلَّم فأحضره، فسأله عن الرؤيا والمَرْت، فقال أبومحلَّم: (المَرْتُ من الأرض: القفرُ الذي لا نبتَ فيهفالمعنى على هذا لا يَهْلَكُ على الله إلا من قلبه خالٍ من الإيمان خلو المَرْت من النبات.
فقال الواثق: أريد شاهداً من الشعر في المرت فأفكرَ أبو محلَّم طويلاً فأنشده بعض من حضر بيتاً لبعض بني أسد
:


ومَرتِ مروراتٍ يَحارُ بها القَطَا *** ويصبح ذو علْمٍ بها وهو جاهلُ

فضحك أبو محلَّم ثم قال للذي أنشده: ربما بَعُدَ الشيء عن الإنسان وهو أقربُ إليه مما في كُمِّه، والله لا تبرحْ حتى أُنشدك، فأنشد للعرب مائة بيت معروف، لشاعر معروف، في كل بيت منها ذُكِرَ المَرْتُ، فأمر له الواثق بألف دينار، وأراده لمجالسته، فأبى أبو محلَّم. ([21])

وقد وردت آثار كثيرة تحث على إكرام الحفظة وتشجيعهم بالمال، من ذلك قول سيدنا علي رضي الله عنه:
"ما من رجلٍ يحفظ القرآن إلا كان حقه في بيت المال كل سنة مائتي دينار أو ألفي درهم، إن حُرِمَهُ في الدنيا لم يحرمه في الآخرة وإن حفظ نصف القرآن فمائة دينار أو ألف درهم، يؤاخذ به الوالي على بيت المال يوم القيامة، فإن كان له حسنات، أخذت من حسناته، وإن لم تكن له حسنات أُخذ من أوزار هذا العبد فحُمل على الوالي" ([22])

ويندرج تحت هذا أن بعض الحفظة كانوا يعتقدون فيما يبدو أن للكتاب المحفوظ بركة، فربما جلب لهم الرزق، نزعم ذلك مما ذكره السيوطي عن الصاغاني صاحب مجمع البحرين والتكملة على الصحاح، قال السيوطي:
"إن الصاغاني كان يقول لأصحابه:
احفظوا غريب أبي عبيد فمن حفظه ملك ألف دينار فإني حفظته فملكتها، وأشرت على بعض أصحابي بحفظه فحفظه وملكها
". ([23])


5- ولعل بعضهم كان يطمح في أن يتحقق فيه ما قاله ابن عباس وهو أنه يولد في رأس كل سبعين سنة من يحفظ كلَّ شيء، فلعل هذا القيل دفع بالكثيرين منهم إلى محاولة الوصول إلى هذه المرتبة العالية، نزعم ذلك مما ذكره ابن العماد صاحب شذرات الذهب عن أبي محلَّم الشيباني قال مؤرج متحدثاً عن أبي محلَّم:
"أخذ مني كتاباً فحبسه ليلة ثم جاء به وقد حفظه، وقال له سفيان بن عيينة: لا أراك تخطئ شيئاً مما تسمع، ثم قال له: حدثني الزُّهري عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: يولد في كل سبعين سنة من يحفظ كلَّ شيء قال: وضرب بيده على جنبي وقال: أراك منهم". ([24])

6- أن هناك اعتقاداً جازماً عند العلماء أن العلم الحقيقي هو ما حوته الصدور لا السطور ([25]).

ولقد جاءت الأشعار والروايات التي تؤكد على هذا الاعتقاد قال الشافعي:


علمي معي حيثما يممتُ يتبعني *** صدري وعاءٌ له لا بطنُ صندوقِ
إن كنت في البيت كان العلمُ فيه معي *** أو كنتُ في السوق كان العلم في السوق([26])

وقال الشاعر محمد بن بشير الخارجي:


ليس بعلمٍ ما حوى القِمَطرُ *** ما العلمُ إلا ما حواه الصدرُ

ونقل ابن قتيبة عن كتاب الهند قولهم:
"العالم إذا اغتربَ فمعه من علمه كافٍ كالأسد معه قوته التي يعيش بها حيث توجه" ([27]).

لقد روت كتب التراجم ما حصل للإمام الغزالي حين قال له كبير اللصوص هذه الحكمة فامتثل لها وراح يحفظ الكتبَ التي كان يحملها معه قال الغزالي:
"قُطِعَتْ علينا الطريقُ وأخذَ العيارون جميعَ ما معي ومضوا، فتبعتهم، فالتفت إليَّ مُقدمهم وقال: ارجعْ ويحك وإلا هلكت.
فقلت له: أسألك بالذي ترجو السلامة منه أن تردَّ علي تعليقتي فقط، فما هو بشيء تنتفعون به.
فقال لي: وما هي تعليقتك ؟
فقلت له: كتبٌ في تلك المخلاة هاجرت لسماعها وكتابتها ومعرفة علمها.
فضحك وقال: كيف تدَّعي أنك عرفت علمها ؟ وقد أخذناها منك فتجردت من معرفتك وبقيت بلا علمٍ ؟
ثم أمر بعض أصحابه فسلَّم إليّ المخلاة.
قال الغزالي: هذا مُستنطقٌ أنطقه الله ليُرشدَني به في أمري، فلما وافيت 
(طوس) أقبلت على الاشتغال ثلاث سنين حتى حفظت جميعَ ما علَّقته، وصرتُ بحيث لو قُطِعَ عليّ الطريق لم أتجرد من علمي" ([28]).

7- أن طبيعة بعض العلوم تعتمد على الحفظ فلابد لطالب العلم من "متنٍ" يحفظه، يستفاد ذلك من توصية الدمياطي لأهل القراءات بأن يحفظوا كتاباً في هذا العلم، قال:
"من أراد علم القراءات عن تحقيق، فلابد له من حفظ كتاب كامل يستحضر به اختلاف القُراء" ([29]).

وعلى هذا النحو سارت العلوم الشرعية واللغوية أيضاً، إذ لابد من حفظ كتاب يكون طريقاً للتمكن وسبيلا للتثبت، فصنعوا المتون النثرية والشعرية لكل فن من فنونهم، فمن مالت نفسه إلى النثر وجد متناً نثرياً كـ (المفصل) و (الكافية) عند أهل النحو، ومن رأى نفسه تميل إلى الشعر وجد عنده (وافية ابن الحاجب) و (ألفية ابن معط) و (ألفية ابن مالك) وغيرها من المنظومات الشعرية التعليمية المعروفة، وقس على ذلك متون العلوم الأخرى.

8- والحق أن هناك عاملاً تفسر به هذه الظاهرة أحسن تفسير وأقواه، وهو العامل الديني نريد به ما ورد من آيات كريمة وأحاديث نبوية وأقوال للخلفاء والتابعين تحض على حفظ القرآن الكريم وتحث عليه، الأمر الذي جعل هذه المهارة من أهم المهارات ومن أوسعها انتشاراً وظهوراً، فقد اتفق الأئمة على أن حفظ القرآن الكريم فرض كفاية على الأمة، والغاية من ذلك أن لا ينقطع عدد التواتر من الحفظة فلا يتطرق إليه التبديل والتحريف ([30]) أي يُفترَضُ وجودُ حُفَّاظٍ يبلغُ عددهم حد التواتر في الأقطار بحيث تتيسر مراجعة القرآن الكريم عندهم ([31]).

وقد وردت الأحاديث الكثيرة المرغبة في حفظ كتاب الله فضلاً عن تلاوته من ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
(إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:
(يقال لصاحب القرآن اقرأ وارقَ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها) ([32]).

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
(إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه، والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط) ([33]).

ويندرج تحت هذا الترغيب النبوي ذلك الثناء العطر الذي نقرؤه في مقدمات كتب التفسير لحملة القرأن الكريم وحفاظه، من ذلك ما ذكره القرطبي حول مكانة هؤلاء الحفظة بقوله:
"فقرأة القرآن حملة سرِّ الله المكنون، وحفظة علمه المخزون، وخلفاء أنبيائه وأمنائه، وهم أهله وخاصته وخيرته وأصفياؤه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إن لله أهلين منا، قالوا: يا رسول الله من هم ؟ قال: هم أهل القرآن، أهلُ الله وخاصَّتُه).

وعن عاصم بن حمزة بن علي رضي الله عنه قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من قرأ القرآن وتلاه وحفظه أدخله الله الجنة، وشفعه في عشرة من أهل بيته كلٌّ قد وجبت له النار). ([34])

وامتد هذا الثناء لمعلمي القرآن الكريم ومحفظيه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(خيرُكم من تعلم القرآن وعلَّمه) ([35]).

وروى زيد بن أسلم عن أبيه عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
(أَحبُّ العباد إلى الله تعالى بعد الأنبياء والشهداء المعلمون، وما في الأرض من بقعة بعد المساجد أحب إلى الله تعالى من البقعة التي يتلى فيها الكتاب) ([36]).

ولا ريب بعد ذلك كله أن مثل هذه الأحاديث والأقوال التي تحض على حفظ القرآن هي من أقوى الأسباب التي تدفع المسلم إلى حفظه وتعهده ليكون المرء ممن تشملهم هذه المنازل التي تحدثت عنها الأحاديث النبوية الشريفة وما أكثرها.

تلكم هي الأسباب التي وجدتها دوافع تشحذ الهمة، وتقوي العزيمة للحفظ، إذ يترقى الإنسان بها ليكون متميزاً متألقاً في علمه الذي تخصص فيه.

والآن ننتقل إلى الوسائل التي اعتمد عليها الحفظة في حفظهم.

ـــــــ ،،، ـــــــ

وسائل الحفظ وطرقه

إن الناظر في كتب التفسير واللغة يستطيع أن يلتقط الوسائل التي اعتمد عليها الحفظة لحفظ ما يريدون حفظه وعدم نسيانه، فهي في آنٍ واحد وسائل تساعد على الحفظ من جهة، وتثبت المحفوظ من جهة ثانية، وهي:
1- التكرار بأن يعيد الحافظ ما حفظ ويكرره، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الوسيلة بقوله تعالى:
(لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه)، قال الآلوسي: وقيل: "اتبع قرآنه بالدرس على معنى كرره حتى يرسخ في ذهنك
([37]).

ونقل عن ابن عباس قوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدةً، فكان يحرك به لسانه وشفتيه مخافة أن ينفلت منه، يريد أن يحفظه فأنزل الله تعالى: (لا تحرك به لسانك)".

وذكر أبو حيان عن الضحاك قوله:
"السبب أنه كان عليه الصلاة والسلام يخاف أن ينسى القرآن فكان يدرسه حتى غلب ذلك عليه وشَقَّ فنزلت" ([38])، وهذا يعني أن معاهدة المحفوظ واستذكاره فيه مشقة وتعب وإجهاد، لكن تكرار هذا المحفوظ يؤدي إلى ثباته، ونقل أبو حيان عن بعضهم في قوله تعالى (سنقرئك فلا تنسى) بأن هذا أمر للرسول صلى الله عليه وسلم على "أن لا ينسى على معنى التثبت والتأكيد، وقد علم أن النسيان ليس في قدرته فهو نهي عن إغفال التعاهد" ([39]).

وأشار القرطبي وهو بصدد حديثه عما ينبغي لصاحب القرآن أن يأخذ نفسه به إلى وسيلة التكرار هذه لئلا ينسى قال:

"فأول ذلك أن يخلص في طلبه لله عز وجل وأن يأخذ نفسه بقراءة القرآن في ليله ونهاره في الصلاة أو في غير الصلاة لئلا ينساه"([40]).

وقد نص أهل القراءات كثيراً على أن من أحب حفظ القرآن فعليه أن يتعاهده كما قال الدمياطي، لأن نسيان شيء منه كبيرة، مؤكداً ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (عرضت علي ذنوب أمتي، فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن، أو آية، أوتيها رجل ثم نسيها)، "وليقل ندباً: أُنسيتُ كذا لا نسيته للنهي عنه في الحديث" ([41]).

وقد وردت أحاديث كثيرة تحذر من نسيان ما حفظ من القرآن فهي من جانب تحذيرٌ ومن جانب آخر ترغيبٌ، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفسُ محمد بيده، لهو أشد تفلتاً من الإبل في عُقُلها).

وعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(إنما مَثَلُ صاحب القرآن كمثل الإبل المُعْقَلَةِ، إن عاهدَ عليها أمسكها وإن أطلقَها ذهبتْ).

وعن سعد بن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله عز وجل يوم القيامة وهو أجذم)([42]).

وقد ذكر أهل الحديث للترغيب في معاهدة القرآن واستظهاره بعض الرؤى المنامية التي تشير إلى فضل المثابرة على مراجعته وتكراره وعدم نسيانه:
فعن سليمان بن يسار قال: قال أبو أُسيد رضي الله عنه:
"نمت البارحة عن وردي حتى أصبحتُ، فلما أصبحت استرجعتُ، وكان وردي سورةَ البقرة فرأيت في المنام كأن بقرة تنطحني"
[رواه ابن أبي داوود].

وروى ابن أبي الدنيا عن بعض حفاظ القرآن أنه نام ليلة عن حزبه فأُري في المنام كأن قائلاً يقول له:


عجبتُ من جسم ومن صحةٍ *** ومن فتًى نام إلى الفجر
والموت لا تؤمن خطفاتُه *** في ظلمِ الليل إذا يسري
([43])

ونص النووي أنه يكره أن يقول الإنسان: نسيت آية كذا بل يقول: أُنسِيتُها أو أسقطتها ([44]).

و بدهي أن عدم مذاكرة المحفوظ يؤدي إلى نسيانه وتشتته، وهو أمر بينٌ واضح في كل العلوم، يروى عن هبة الله بن عبد الله بن سيد الكل أنه كان يقول:
"أعرفُ عشرين علماً أُنسيتُ بعضَها لعدم المذاكرة" ([45])

والخلاصة: أن التكرار ومراجعة المحفوظ والحرص عليه من الوسائل المهمة التي تؤدي إلى الثمرة، وهي تحقيق الحفظ وضبطه وعدم ضياعه.

قال الأصمعي حين سأله المازني عن كثرة محفوظاته ما نصه: "إنه كان همَّنا وسدَمنا".
قال أبو الطيب اللغوي: و(السَّدَمُ) ها هنا الحرص ([46]).

وأشار الشافعي إلى هذا الحرص بقوله:

أخي لن تنال العلم إلا بستة *** سأنبيك عن تفصيلها ببيان

ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة *** وصحبة أستاذ وطول زمان
([47])

ومراده من الحرص هو حرصه على الحفظ والفهم وعدم نسيان المحفوظ، ولا يتحقق ذلك إلا بتكراره واستظهاره دائماً.

2- ومن الوسائل التي ذكروها لتثبيت الحفظ وتسهيله الابتعاد عن الذنوب والمعاصي، وهذه الوسيلة من أهم الوسائل التي يجب على طالب العلم أن يسلكها، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله:
(واذكر ربك إذا نسيت)، قال بعضهم "اذكر ربك بالتسبيح والاستغفار إذا نسيت" ([48]).

وقال ابن مسعود: "إني لأحسبُ الرجلَ ينسى العلم بالخطيئة يعملها"، وكتب رجل إلى أخ له كما قال ابن قتيبة: "إنك قد أُوتيت علماً فلا تطفئن نور علمك بظلمة الذنوب" ([49]).

وقد شاعت نصيحة الإمام مالك للشافعي حين قدم عليه حافظاً موطأه في تسعِ ليالٍ، قال له مالك:
"يا محمد اتقِ الله، واجتنبِ المعاصي، فإنه سيكون لك شأنٌ، إن اللهَ قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بالمعصية" ([50])، ولعل هذه الإضاءة أبرقت في عقل الشافعي البيتين الذين سارت بهما الركبان مضافاً إليها قول شيخه وكيع بن الجراح حين شكا له سوء حفظه فقال له:
"استعن على الحفظ بترك المعاصي" ([51]) والبيتان هما:


شكوت إلى وكيع سوءَ حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي

وأخبرني بأن العلـــــمَ نــــــورٌ *** ونورُ الله لا يهدى لعاصـــي

وفي رواية الأبشيهي ([52]):


وذلك أن حفظ العلم فضلٌ *** وفضل الله لا يؤتى لعاصي

فنص على لفظ الحفظ للاهتمام به.

3- اتجه بعض العلماء لتسهيل الحفظ وعدم النسيان إلى استثمار ما قيل حول بعض السور القرآنية أو الآيات الكريمة أو الأدعية والآثار الواردة عن بعض العلماء والزهاد والصالحين، وأحسب أن ما ورد من ذلك لو جمع لبلغ مئات الصفحات، أكتفي منها ما ذكره الأبشيهي في كتابه المستطرف قال:
"وجد في بعض الآثار عن بعضهم أنه قال: إذا أردت أن تكون أحفظَ الناس فقل: عند رفع الكتاب أو المصحف أو ابتداء القراءة في كل شيء أردت: بسم الله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، عدد كل حرف كُتِبَ ويُكْتَبُ أبدَ الآبدين ودهر الداهرين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم" ([53]).

وقيل: "إذا أردت أن لا تنسى حرفاً فقل قبل القراءة: اللهم افتحْ علينا حكمتك، وانشر علينا رحمتك يا ذا الجلال والإكرام".

وقيل: "إذا أردت أن ترزق الحفظ فقل خلف كل صلاة مكتوبة: آمنت بالله الواحد الأحد الحق، لا شريك له وكفرت بما سواه".

ونقل عن الشيخ ابن عجيل للحفظ أن يقرأ الإنسان في كل يوم عشر مرات (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ) ثم يقول: "يا حيُّ يا قيوم يا ربَّ موسى وهارون، و يا ربَّ إبراهيمَ ويا ربَّ محمدٍ عليه وعليهم الصلاة والسلام، ألزمني الفهمَ وارزقني العلم والحكمة والعقلَ برحمتك يا أرحم الراحمين" ([54]).

ولا شك أن كثيراً مما ذكر لم يرد به نص شرعي يقطع في هذه المسألة، لكن هذه الآثار تدل على الجو الثقافي الذي كان يعيش فيه بعض العلماء في نظرتهم إلى هذه المهارة، ويصور أيضاً كيف حاولوا علاجها في المجتمع عند أولئك الذين تبلدت عقولهم وتوقفوا عن تنمية هذه المهارة.

4- استعمال بعض النباتات والأعشاب التي تساعد على الحفظ، لقد استقر عند القدماء هذا الاعتقاد بسبب التجارب التي حُدثوا عنها أو أشار إليها الحكماء فضلاً عن الأحاديث الواردة في الطب النبوي الشريف، قالوا عن ابن داوود صاحب المسند المتوفى سنة 204هـ: أنه أكل حَبَّ البلاذُر لأجل الحفظ والفهم فأحدث له جُذاماً وبرصاً فكان يحفظ أربعين ألف حديث ([55]).

أما الشافعي فقد نقل عنه قوله استعملت اللُّبان سنة للحفظ فأعقبني صبُّ الدم سنةً ([56]).

وتروي لنا كتب التراجم أن بعض الحفظة اعتمد نظاماً غذائياً حافظ به على محفوظه، من هؤلاء:
أبو بكر محمد بن قاسم الأنباري المتوفى سنة 328 هـ، هذا الرجل كان فريد دهره ووحيد عصره، كان يحفظ ثلاث مئة ألف بيت شاهد في القرآن، ويحفظ مائة وعشرين تفسيراً من تفاسير القرآن بأسانيدها، قال عنه أبو الحسن العروضي:
"اجتمعت أنا وهو عند الراضي بالله على الطعام، وكان قد عرف الطباخُ ما يأكل فكان يسوِّي له قليةًً يابسةًً قال: فأكلنا نحن من ألوان الطعام وأطايبه، وهو يعالج تلك القليَّةَ، ثم فرغنا وأُتينا بحلوى فلم يأكل منها، فقام وقمنا إلى الخَيش ([57])، فنام بين يدي الخَيْشِ ونمنا في خَيْشٍ يُنَافَسُ فيه، فلم يشربْ ماءً إلى العصر فلما كان بعد العصر قال: يا غلامُ الوظيفةَ، فجاءه بماءٍ من الجُبِّ ([58])، وترك الماء المزمَّلَ بالثلج فغاظني أمره فصحت صيحة: يا أمير المؤمنين فأمر بإحضاري وقال ما قصتك ؟
فأخبرته وقلت: يا أمير المؤمنين يحتاج هذا إلى أن يحال بينه وبين تدبير نفسه، لأنه يقتلها ولا يحسن عُشرَتهَا، فضحك وقال: له في هذه لذة، وقد جرت له به عادة، وصار آلفاً لذلك فلن يضره، ثم قلت: يا أبا بكر لمَِ تفعل هذا بنفسك؟
فقال: أُبقي على حفظي، قلت له: قد أكثرَ الناس في حفظك، فكم تحفظ ؟
فقال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقاً، ولقد كان هذا الرجل آية من آيات الله تعالى في الحفظ، ذكر حمزة بن محمد الدقاق قال: كان يملي كتبه المصنفة ومجالسه المشتملة على الحديث والأخبار والتفاسير والأشعار كلُّ ذلك من حفظه، وأملى كتاب غريب الحديث، قيل: إنه خمسٌ وأربعون ألف ورقة، وكتاب في شرح الكافي وهو نحو ألفِ ورقة، وكتاب الهاءات نحو ألف ورقة، وكتاب الأضاد وشرح الجاهليات سبعمائة ورقة، وكتاب المشكل أملاه وبلغ فيه إلى طه وما أتمه وقد أملاه سنين كثيرة
" ([59]).

وفي عصرنا الحاضر رأيت الشيخ الفاضل العلامة الراوية النسابة سعيد الطنطاوي -وهوشقيق الشيخ علي الطنطاوي يرحمه الله-، يسلك هذا المسلك في اعتماد نظام غذائي واجتماعي للحفاظ على محفوظه وهو القرآن الكريم مع خمسة عشر ألف بيت من الشعر، يستشهد به على كل ما يقع بصره عليه أو يُحَدِّث به، لقد ابتعد عن تناول اللحوم وأكثر من أكل الخضراوات والفاكهة، وأعرفه منذ ثلاث سنوات يقتصر على التمر والحليب وبرتقالة واحدة عند الصباح وشرب الماء فقط.. مع صوم الإثنين والخميس دائماً.

ولعل هذا النظام الغذائي جعله محافظاً على مخزونة المحفوظ حتى الآن بعد بلوغه الخامسة والثمانين سنة أمد الله في عمره وشفاه من العلل والأوصاب.

ولقد قدم ابن القيم في كتابه القيم الطب النبوي حديثاً قيماً نافعاً عن النسيان، فبين أسبابه حين تحدث عن فائدة اللُّبان (الكُندُر) قال:
"إن النسيان إذا كان لسوء مزاج بارد رطب يغلب على الدماغ، فلا يحفظ ما ينطبع فيه، نفع منه اللُّبان، وأما إذا كان النسيان لغلبة شيء عارض، أمكن زواله سريعا بالمرطبات، والفرق بينهما، أن اليبوسيَّ يتبع سهر وحفظ الأمور الماضية دون الحالية، والرطوبي بالعكس"([60]).

ثم عرض يرحمه الله إلى بعض مضار ما يعتقده الناس أنه مفيد لذهاب النسيان، فقال:
"وقد يحدث النسيان أشياء بالخاصية، كحجامة نقرة القفا، وإدمان أكل الكسفرة الرطبة، والتفاح الحامض، وكثرة الهم والغم، والنظر في الماء، والبول فيه، والنظر إلى المصلوب، والإكثار من قراءة ألواح القبور، والمشي بين جملين مقطورين، وإلقاء القمل في الحياض، وأكل سؤر الفأر، وأكثر هذا معروف بالتجربة" ([61]).


وذكر يرحمه الله كثيراً من الآثار التي تدل على فوائد اللبان في تقوية الذاكرة وعدم النسيان، قال:
"يروى عن علي رضي الله عنه أنه قال لرجل شكا إليه النسيان: عليك بالُّلبان، فإنه يشجع القلب ويذهب بالنسيان".

ثم ذكر عن ابن عباس قوله أيضاً:
"إن شرب اللُّبان مع السكر على الريق جيد للبول والنسيان".

ونقل عن أنس رضي الله عنه قوله لرجل شكا إليه النسيان، فقال:
"عليك بالكندر، وانقعه من الليل، فإذا أصبحت فخذ منه شربة على الريق فإنه جيد للنسيان" ([62]).

ولقد رجعت إلى مواقع الخزانة العالمية كـ (ملتقى أهل الحديث) و (الألوكة) فوجدت أصحابها يفيضون في ذكر الأعشاب والنباتات التي تساعد على الحفظ وتقوي الذاكرة، ذاكرين أن بعضها منقول عن الطب النبوي لابن القيم منها:
العسل و الزنجبيل و الميرمية و الزبيب و حبوب اللَّقاح و الفلفل الأبيض و القرفة و الكُنْدُر والجوز (عين الجمل) و حبُّ الفهم المسمى البلاذُر والهندباء البرية والخميرة، ثم يوصون طالب العلم بالإكثار من تناول الخضراوات والفاكهة الطازجة، وذكر بعضهم الحجامة، لكن صاحب بستان العارفين وابن القيم ذهبا إلى أنها مكروهة و تورث النسيان إن كانت في نقرة القفا ([63]).

وذكر واحد منهم أنه حضر دورات لتعليم الحفظ فعلموه التنفس العميق، وشجعوه على الجلوس في الصفوف الأولى، وعدم إشغال الفكر بشيء إلا بالمحفوظ.

هذا ما ألفيناه من حديث القدماء والمحدثين حول وسائل الحفظ وتثبيت المحفوظ.

ـــــــ ،،، ـــــــ

أوقات الحفظ والمذاكرة

عرض أهل القرآن الكريم المشتغلون بحفظه أوقاتاً فُضِّلتْ على غيرها لأجل سرعة الحفظ والفهم، وهي:
1- بعد صلاة الفجر لأن الذهن يكون نشيطاً وعملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لأمتي في بكورها). ([64])

2- قبل النوم أفدت ذلك مما ذكروه في ترجمة الفيروز أبادي، فقد نقل السيوطي عنه أنه كان يقول: "ما كنت أنام حتى أحفظ مائتي سطر" ([65]).

3- وقد تحدث الأبشيهي عن أوقات فضيلة يستحسن فيها قراءة القرآن -وأرى أنه يستحسن فيها الحفظ أيضاً- قال:
"وأما في غير الصلاة فأفضلها قراءة الليل والنصف الأخير أفضل من الأول، والقراءة من المغرب والعشاء محبوبة، وأما قراءة النهار فأفضلها بعد صلاة الصبح" ([66])، وهذه الأوقات تضمنتها الآية القرآنية (آناء الليل وأطراف النهار).

4- وألفيت في موقع (ملتقى أهل الحديث) و (الألوكة) تأكيداً على هذه الأوقات وأضافوا إليها أن على القارئ أن يختار الوقت الذي ليس فيه أشغال وأعمال.

وذكروا بعض الخطوات التي تساعد على هذه المهارة وهي:

1- تصحيح ما يراد حفظه لئلا يحفظ الطالب الغلط فيرسخ الغلط في ذهنه.

2- حفظ اليسير الذي يقدر عليه.

3- مراعاة وقت الحفظ التي أشرنا إليها.

4- كثرة التكرار مع المراجعة الأسبوعية والشهرية.

5- وقد أشار الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي إلى طريقة يتبعها أهل شنقيط للحفظ، فقال:
"من الطرق في الحفظ، طريقةُ الجهات الأربع وحاصلها أن الطالب بعد أن يحفظ الدرس يكرره عشرين مرة إلى كل جهة من الجهات الأربعة فيتجه إلى الشرق فيقرؤه عشرين مرة، ثم إلى الغرب كذلك، ثم إلى الشمال كذلك، ثم إلى الجنوب كذلك، وبعضهم يقرأ على كل أصبع من أصابع يديه ما يريد حفظه عشر مرات، وسُئل أحد مشايخهم الذين أتقنوا حفظ مختصر خليل في الفقه المالكي عن طريقة حفظه له فقال: ألف غياب ومائة تكريره، أي إنه كان يقرأ درس المتن ألف مرة، ويراجع الشرح من ذهنه مائة مرة" ([67]).

وأضاف الشيخ محمد الددو حفظه الله أن كتاب مختصر خليل يدرسه الطلاب المتوسطون عندهم إذا كانوا جادين في سنة، لأنه ثلاث مئة وثلاثة وثلاثون درساً، أما ألفية ابن مالك فحفظها يستغرق عشرة أشهر ([68]).

ـــــــ ،،، ـــــــ


وننتقل الآن إلى
:
مظاهر مهارة الحفظ عند القدماء والمحدثين


إن الناظر في كتب التراجم يُدهش لكثرة ما حوت من أخبار هؤلاء النحارير، وأعاجيب الدهارير، ولكثرتهم وتنوع علومهم جعلتُهم في طائفتين:
الأولى: طائفة أهل القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والفقهاء والمفسرين.
الثانية: طائفة اللغويين والرواة والنحاة والشعراء.

أما أصحاب الطائفة الأولى: فقد ألف كثيرٌ من العلماء معاجمَ تدل عليهم، وتشيد بذكرهم من ذلك طبقات القراء وطبقات الحفاظ للذهبي وغاية النهاية لابن الجزري و طبقات الحفاظ للسيوطي وطبقات المفسرين للداودي وغير ذلك كثير، ومن قراءاتنا في كتبهم وقفت على كبارهم الذين نلحظ عندهم هذه الظاهرة واضحة، منهم:

1- الإمام الفقيه الشعبي المتوفى سنة 103 هـ، قال عن نفسه:
"لو أن رجلاً حفظ ما نسيت كان عالماً" ([69]).

ونقل الأبشيهي عنه ما نصه:
"دخلت على الحجاج حين قدم العراق، فسألني عن اسمي فأخبرته، ثم قال: يا شعبي كيف علمك بكتاب الله ؟
قلت: عني يُؤخَذُ.
قال: كيف علمك بالفرائض ؟
قلت: إليَّ فيها المنتهى.
قال: كيف علمك بأنساب الناس ؟
قلت: أنا الفيصلُ فيها.
قال: كيف علمك بالشعر ؟
قلت: أنا ديوانه.
قال: لله أبوك، وفرض لي أموالاً، وسودني على قومي فدخلت عليه وأنا صعلوك من صعاليك همَدان وخرجت وأنا سيدهم
 ([70]).

2- ابن وهب الفهري المتوفى سنة 125هـ قيل عنه، حدث بمائة ألف حديث ([71]).

3- يزيد بن هارون المتوفى سنة 182هـ قيل: إنه كان يحفظ أربعة وعشرين ألف حديث بأسنادها ويحفظ للشاميين عشرين ألفاً ([72]).

4- الإمام أبو داوود الطيالسي المتوفى سنة 204 هـ، صاحب المسند قيل: كان يسرد من حفظه ثلاثين ألف حديث، وقيل أربعين ألفاً ([73])
.

5- الإمام الشافعي المتوفى سنة 205 هـ عالم قريش الذي ملأ طباق الأرض علماً، حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، والموطأ وهو ابن عشر([74]).

قال:
"عمدت إلى الموطأ فاستعرته من رجل بمكة فحفظته في تسع ليالٍ ظاهراً"، وحفظ عشرة آلاف بيت من شعر هذيل بإعرابها وغريبها ومعانيها ولكثرة حفظه وثبته صحح الأصمعي عليه أشعار هذيل، ووصف بأنه ما نَسي شيئاً حفظه أو سمعه ([75]).

6- عائلة الإمام أحمد بن حنبل المتوفى سنة 241 هـ، كان رحمه الله من كبار الحفظة، قيل لأبي زُرعة:
"من رأيت من المشايخ المحدثين أحفظ ؟
قال: أحمد بن حنبل، حُزرَتْ كتبه في اليوم الذي مات فيه فبلغت اثني عشر حملا وعدلا، ما على ظهر كتاب منها حديث فلان ولا في بطنه حدثنا فلان كل ذلك كان يحفظه عن ظهر قلبه
" ([76]).

وانتقلت هذه المهارة إلى ابنه عبدالله أبي عبد الرحمن المتوفى سنة 260هـ، قال صاحب شذرات الذهب عنه: يقال:
"إن والده حفظه خمسة عشر ألف حديث عن ظهر قلب، ثم قال له: لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً من هذا.
فقال: ولِم َأذهبت أيامي في حفظ الكذب ؟
قال: لتعلم الصحيح، فمن الآن أحفظ الصحيح
" ([77]).

7- إسحاق بن بهلول، المتوفى سنة 252 هـ، قال عنه ابن صاعد حدث بنحو خمسين ألف حديث من حفظه، وعاش ثمانين سنة ([78]).

8- شيخ المحدثين الإمام البخاري المتوفى سنة 256هـ، قال عنه محمد بن إسحاق بن خزيمة:
"ما رأيت تحت أديم السماء أعلمَ بالحديث ولا أحفظَ له من محمد بن إسماعيل البخاري، حتى كان يقال: إن حديثاً لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث".

قال البخاري رحمه الله تعالى:
"أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح"([79]).

9- ومنهم أبو زُرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي المتوفى سنة 264 هـ المحدث المشهور قال عنه إسحاق بن راهويه:
"كل حديث لا يحفظه أبو زُرعة ليس له أصل" ([80])



10- إسحاق بن راهويه المتوفى سنة 264هـ قيل: كان يحفظ سبعين ألف حديث ([81]).

11- أبو قلابة، عبد الملك بن محمد الرقاشي المتوفى سنة 276هـ قيل عنه: إنه روى من حفظه ستين ألف حديث، وكان يصلي في اليوم والليلة أربعمائة ركعة ([82]).

12- أبو بكر أحمد بن عمرو الشيباني المتوفى سنة 287هـ، قال:
"ذهبت كتبي فأمليت من ظهر قلبي خمسين ألف حديث" ([83]).

13- يحيى بن محمد العنبري السلمي المتوفى سنة 344هـ، كان من نحارير الحفظة، قال أبو علي الحافظ:
"الناس يعجبون من حفظنا لهذه الأسانيد، وأبو زكريا العنبري يحفظ من العلوم ما لو كلفنا حفظ شيء منه لعجِزْنا عنه وما أعلم أني رأيت مثله" ([84]).

14- ابن الفحام أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر الصقلي النحوي المشهور المتوفى سنة 510 هـ صاحب كتاب التجريد بالقراءات قال عنه سليمان بن عبد العزيز:
"ما رأيت أحدا أعلم بالقراءات من ابن الفحام لا بالشرق ولا بالغرب وقيل: كان يحفظ القراءات كالفاتحة" ([85]).

15- ابن القرطبي أبو بكر عبد الله بن حسن الأنصاري الأندلسي المتوفى سنة 611 هـ كان من أهل الحفظ لأسماء الرجال ولم يكن أحد يدانيه في الحفظ والتعديل إلا أفراداً من عصره، وقد نوظر عليه في كتاب سيبويه ([86]).

16- المرسي المفسر النحوي أبو عبد الله محمد بن عبد الله السلمي الأندلسي، المتوفى سنة 655هـ ذكر الذهبي حين ترجم له أنه قرأ على أبي إسحاق بن إبراهيم بن يوسف ابن دهاق المعروف بابن المرأة.
قال عنه الذهبي: "كان لو قال هذه الآية تحتمل ألف وجه لقام بها".
وقال ابن دهاق عن نفسه: "ماسمعت شيئاً إلا حفظته".
ونقل عنه قوله: "حفظت وأنا شاب القرآن وكتباً، منها إحياء علوم الدين للغزالي" ([87]).

17- ابن تيمية الإمام المعروف المتوفى سنة 738هـ، قال عنه جمال الدين السرمدي: "ومن عجائب زماننا في الحفظ ابن تيمية، كان يمر بالكتاب مرة مطالعة، فيُنقش في ذهنهِ وينقله في مصنفاته بلفظه ومعناه" ([88]).

18- عمر بن رسلان البلقيني المتوفى سنة 805 هـ، حفظ القرآن وهو ابن سبع والشاطبية والمحرر والكافية والشافية والمختصر الأصلي، ومما يحكى عن حفظه: "أنه أول ما دخل الكاملية طلب من ناظرها بيتاً فامتنع واتفق مجيء شاعر الناصر بقصيدة وأنشده إياها بحضرة البلقيني.
فقال للناظر: قد حفظتها.
فقال له الناظر: إن كان كذلك أعطيتك بيتاً فأملاها له من حفظه جميعها فأعطاه البيت".
قال له ابن كثير: "أذكرتنا ابنَ تيمية".
وكذلك قال له ابن شيخ الجبل: "ما رأيت بعد ابن تيمية أحفظَ منك".
وقال البرهان الحلبي: "رأيته رجلاً فريد دهره لم تر عينيَّ أحفظ َمنه للفقه وأحاديث الأحكام".
وأضاف الشوكاني قائلاً: "وقد كان وقع الاتفاق على أنه أحفظ أهل عصره وأوسعهم معارف وأكثرهم علوماً، ولم يزل متفرداً في جميع الأنواع العلمية حفظاً وسرداً لها كما هي حتى توفاه الله" ([89]).

19- ابن حجر صاحب فتح الباري، المتوفى سنة 852 هـ، ترجم له الشوكاني بقوله: "حفظ القرآن وهو ابن تسعٍ، ثم حفظ العمدة وألفية الحديث للعراقي، والحاوي الصغير ومختصر ابن الحاجب في الأصول والملحة"، وأضاف قائلاً: "ثم تصدى لنشر الحديث، وشهد له بالحفظ حتى صار إطلاق لفظ الحافظ عليه إجماع"، ثم قال: "ولا ريب أن أجل مصنفاته فتح الباري، وكان شروعه في تصنيفه سنة 817 هـ على طريق الإملاء" ([90]).

20- أخيرا أتحفكم بهذه التحفة العجيبة الفريدة، لقد نقل تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى أن: "كتبَ خِزانة المدرسة النظامية حرقت في زمن حياة نظام الملك فشقَّ عليه ذلك، فقالوا له: لا تخف إن ابنَِ الحداد وهو من فقهاء الشافعية يُملي للكتّاب جميع ما حُرق من حفظه، فأرسلوا خلفه فأملى جميع ما حرق في مدة ثلاث سنين ما بين تفسير وحديث وفقه وأصول ونحو ذلك" ([91]).



هذا غيض من فيض وسطر من كتاب مما حفلت به كتب التراجم حول أعلام وأخبار الطائفة الأولى فهم كما ترى فلتات الزمن ومحاسن الدهر، رحمهم الله تعالى وأنزل على قبورهم شآبيب رحماته ومزون ألطافه.

أما الطائفة الثانية: فكانوا كأنهم يسابقون الطائفة الأولى، إذ برزت هذه المهارة عندهم واضحة أيضاً، وأخبارهم التي تظهر هذه البراعة عجيبة جداً جداً، فكأنهم خلقوا لها أيضاً، منهم:

1- الصحابي عبد الله بن عباس رضي الله عنه المتوفى سنة 68هـ، كان أعجوبة في الحفظ وقصته مع نافع بن الأزرق تدل على ذلك، قال المبرد في الكامل:
"بينا ابن عباس في المسجد الحرام وعنده نافع بن الأزرق وناس من الخوارج يسألونه إذ أقبل عمر بن أبي ربيعة في ثوبين مصبوغين موردين أو ممصرين، حتى دخل وجلس فأقبل عليه ابن عباس فقال: أنشدنا فأنشده:


أَمِنْ آلِ نُعمٍ أنتَ غادٍ فَمُبْكِرُ *** غداةَ غدٍ أم رائحٌ فمهجّرُ

حتى أتى على آخرها، فأقبل عليه نافع بن الأزرق فقال: اللهَ يا ابن عباس إنا نضرب إليك أكباد الإبل من أقاصي البلاد نسألك عن الحلال والحرام فتتثاقل عنا، ويأتيك غلام مترف من مترفي قريش فينشدك سفهاً فتسمعه.
فقال: تالله ما سمعت سفهاً.
فقال ابن الأزرق: أما أنشدك:


رأت رجلاً أما إذا الشمسُ عارضتْ *** فيْخزى وأما بالعشي فيخسَرُ

فقال: ليس هكذا.
قال: فكيف قال ؟
فقال:


رأت رجلاً أما إذا الشمسُ عارضتْ *** فيضْحى وأما بالعشي فيخصَرُ

فقال: ما أراك إلا وقد حفظت البيت.
قال: أجل وإن شئت أن أنشدك القصيدة أنشدتك إياها.
قال: فإني أشاء.
فأنشده القصيدة حتى أتى على آخرها
". 

وفي رواية أخرى: "أن ابن عباس أنشدها من أولها إلى أخرها، ثم أنشدها من آخرها إلى أولها مقلوبة، وما سمعها قط إلا تلك المرة صفحاً.
قال: وهذا غاية الذكاء.
فقال له بعضهم: ما رأيت أذكى منك قط.
فقال: لكني ما رأيت قط أذكى من علي بن أبي طالب
".

وكان ابن عباس يقول: "ما سمعت شيئاً قط إلا رويته، وإني لأسمع صوت النائحة فأسد أذني كراهة أن أحفظ ما تقول"، وقوله: "فيضحى يقول يظهر للشمس، ويخصر يقول في البَردين" ([92]).

ولا يخفى أن هذا الصحابي الجليل تجده حاضراً في كل فن فهو من أهل الطائفة الأولى في المقدمة، ووضعته هنا لأن الحادثة تتصل برواية الشعر وحفظه رضي الله عنه وأرضاه.

2- يونس بن حبيب البصري، المتوفى سنة 83 هـ قال أبو عبيدة: "اختلفت إلى يونس أربعين سنة أملأ كل يوم ألواحي من حفظه" ([93]).

3- حماد الراوية ابن أبي ليلى الديلمي الكوفي، المتوفى سنة 125هـ، "قال له الوليد بن يزيد الأموي: لِمَ سُميتَ الراوية؟
قال: لأني أروي لكل شاعر سمعت به أو لم أسمع، وأميز بين قديمها وحديثها.
قال له: كم تحفظ من الشعر ؟
قال: كثير، لكني أنشد على كل حرف مائة قصيدة كبيرة سوى المقطعات من شعر الجاهلية دون الإسلام.. فامتحنه في ذلك فوجده كما قال فأمر له بمائة ألف درهم
" ([94]).

4- أبو عمرو بن العلاء التميمي شيخ القراء، المتوفى سنة 154هـ، روى أبو العيناء عن الأصمعي ما نصه:
"قال لي أبو عمرو بن العلاء: لو تهيأ أن أفرغ مافي صدري من العلم في صدرك لفعلت، ولقد حفظت في علم القرآن أشياء لوكتبتْ ما قدر الأعمش على حملها، وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف ثم تنسك فأحرقها كلها" ([95]).

5- الخليل بن أحمد الفراهيدي صاحب العربية ومؤسس علومها المتوفى سنة 170هـ، قال عنه الذهبي:
"كان مفرط الذكاء والعلماء يغرفون من بحره".
ونقل عن السيرافي قوله: "كان الخليل يحفظ نصف اللغة" ([96]).

6- خلف الأحمر المتوفى سنة 180 هـ كان أعلم الناس بالشعر، وكان الناس يقصدونه لما مات حماد الراوية، لأنه كان قد أكثر الأخذ عنه وبلغ مبلغاً لم يقاربه حماد ([97]).

وقال عنه أبو الطيب أيضاً:
"ما ازدحم العلم والشعر في صدر أحد ازدحامهما في صدر خلف الأحمر وأبي بكر بن دريد" ([98]).

7- الكسائي علي بن حمزة المتوفى 189هـ قال أبو الطيب:
أخبرنا محمد بن عبد الواحد أخبرنا ثعلب قال:
"أجمعوا على أن أكثر الناس كلهم رواية وأوسعهم علماً الكسائي وكان يقول: كل ما سمعت في الشيء (فعلتإلا وقد سمعت فيه (أفعلت).
([99])

8- علي بن مبارك الأحمر المتوفى سنة 194 هـ قال ثعلب عنه:
كان الأحمر يحفظ سوى ما يحفظ أربعين ألف بيت شاهداً في النحو"([100]).

9- أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني المتوفى سنة 206 هــ صاحب كتاب الجيم كان عالماً باللغة حافظا ً لها جامعاً لأشعار العرب ([101]).

10- قطرب محمد بن المستنير المتوفى سنة 201هـ قال عنه أبو الطيب:
"وكان حافظاً للغة كثير النوادر والغريب" ([102]).

11- الفراء، يحيى بن زياد المتوفى سنة 207 هـ، قال سلمة:
"أملى الفراء كتبه كلَّها حفظاً لم يأخذ بيده نسخة إلا في كتابين، ومقدار كتب الفراء ثلاثة آلاف ورقة، وكان مقدار الكتابين خمسين ورقة" ([103]).

12- أبو زيد سعيد بن أوس المتوفى سنة 215هـ كان أحفظ الناس في اللغة بعد أبي مالك وأوسعهم رواية، وهو من رواة الحديث، ثقة عندهم مأمون وكذلك حاله في اللغة، وقال الذهبي نقلا عن السيرافي:
"كان أبو زيد يحفظ ثلثي اللغة، والظاهر أن أبا زيد ضعفت ذاكرته فنسي بعض ما ألف قال الرياشي: أتيت أبا زيد و معي كتابه في الشجر والكلأ، فقلت له: أقرأ عليك هذا فقال: لا تقرأه علي فإني قد أُنسيته" ([104]).

13- الأصمعي عبد الملك بن قريب المتوفى سنة 216هـ، ذكر أبو الطيب اللغوي عن الهزاني قوله: سمعت الرياشي يقول: سمعت الأصمعي يقول:
"أحفظ اثني عشرة ألف أرجوزة، فقال له رجلٌ: منها البيت والبيتان، فقال: ومنها المائة والمائتان" ([105]).

وفي رواية أخرى: "أنه كان يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة".

وروى عمر بن شبَّة قال: "سمعته، أي الأصمعي يقول: حفظت ستة عشر ألف أرجوزة" ([106]).

وقال بعض العلماء: "كان الأصمعي يحفظ ثلث اللغة، وكان أبو زيد يحفظ ثلثي اللغة" ([107]).

14- أبو مسحل عبد الرحمن بن حريش المتوفى سنة 228 هـ روى عن علي بن مبارك الأحمر أربعين ألف بيت شاهد في النحو، قال أبو بكر بن الأنباري، سمعت ثعلبا يقول:
"ما ندمت على شيء كندمي على ترك سماع الأبيات التي كان يرويها أبو مسْحل عن علي بن مبارك الأحمر" ([108]).

15- أبو تمام الطائي المتوفى سنة 228هـ، قالوا: "كان يحفظ أربعة آلاف أرجوزة غير القصائد والمقاطيع" ([109]).

وما دمنا نتحدث عن الشاعر أبي تمام نعرج على ما ذكره ابن نديم حول الشاعرين الأديبين الحافظين أبي بكر وأبي عثمان محمد وسعيد ابني هاشم المعروفين بالخالديين، من قرية من قرى الموصل، قال عنهما: "كانا حافظين على البديهة، قال أبو بكر-وقد تعجبت من كثرة حفظه وسرعة بديهته ومذاكرته-: إني أحفظ ألف سمر كل سمر في نحو مئة ورقة" ([110]).


16- ابن الأعرابي محمد بن زياد الأعرابي المتوفى سنة 231هـ قال ثعلب: "لزمت ابن الأعرابي تسع عشرة سنة وكان يحضر مجلسه زهاء مئة إنسان وما رأيت بيده كتابا قط، انتهى إليه علم اللغة والحفظ"، قال الأزهري: "ابن الأعرابي....حفظ ما لم يحفظه غيره، وسمع من بني أسد، و بني عقيل فاستكثر" ([111]).

17- إسحاق الموصلي المتوفى سنة 235 هـ حدث عن حماد الراوية ووصفه بن الأعرابي بالعلم والصدق والحفظ ([112]).

18- أبو محلَّم الشيباني المتوفى سنة 245 هـ، قال عنه مؤرج السَّدوسي:
"كان من أحفظ الناس، استعار مني جزءاً ورده من الغد، وقد حفظه في ليلة، وكان مقداره نحو خمسين ورقة" ([113]).

ونقل السيوطي عن المرزباني قصة تتضمن أنه أنشد للعرب مائة بيت في كل بيت منها ذكرت لفظة (المرت) وهي اللفظة الذي سأل الواثق عن معناها، فأمر الواثق له بألف دينار وأراده لمجالسته فأبى أبو محلَّم ([114]).

19- أبو مالك عمرو بن كِرْكِرَة المتوفى سنة 248 هـ يقال: "إنه كان يحفظ اللغة كلها" ([115]).

20- بندار بن عبد الحميد المعروف بابن لُرّة، المتوفى سنة 270 هـ، قال ياقوت عنه فيما نقله السيوطي:
"كان يحفظ سبع مائة قصيدة ُأول كل قصيدة بانت سعاد".

وقال عنه المبرد: "كان واحد زمانه في رواية دواوين شعراء العرب حتى كان لا يشذ عن حفظه من شعر شعراء الجاهلية والإسلام إلا القليل" ([116]).

21- ثعلب أحمد بن يحيى الشيباني المتوفى سنة 291 هـ ذكر ابن النديم عن ثعلب أنه قال: "حفظت كتب الفراء حتى لم يشذ عني حرف منها، ولي خمسٌ وعشرون سنة" ([117]).

وقد أملى مجالسه المطبوعة إملاء قال ابن النديم: "ولأبي العباس مجالسات أملاها على أصحابه في مجالسه تحتوي على قطعة من النحو واللغة والأخبار ومعاني القرآن والشعر مما سمع وتكلم عليه، روى ذلك عنه جماعة" ([118]).

22- عبيد الله أبو بكر الخياط المتوفى سنة 320هـ قال عنه السيوطي:
"كان يحفظ الدواوين، قدم له يوما أبو الفضل بن العميد نعله فاستسرِفَ من ذلك، فقال أبو الفضل: أألامُ على تعظيم رجل ما قرأت عليه شيئاً من الطبائع للجاحظ إلا عرف ديوان قائله، وقرأ القصيدة من أولها إلى آخرها حتى تنتهي" ([119]).

23- ابن دريد صاحب الجمهرة المتوفى سنة 321 هـ، قال عنه أبو الطيب:
"ما ازدحم العلم والشعر في صدر أحد ازدحامهما في صدر خلف الأحمر وأبي بكر بن دريد" ([120]).

وقال أحمد بن يوسف الأزرق:
"ما رأيت أحفظ من ابن دريد، ما رأيته قرئ عليه ديوان إلا وهو يسابق في قراءته" ([121]).

24- نفطويه أبو عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن عرفة، المتوفى سنة 323هـ، كان متضلعاً من العلوم، ومن محفوظه نقائض جرير والفرزدق وشعر ذي الرمة ([122]).

25- ومن الحفاظ العباقرة، أبو بكر الأنباري محمد بن القاسم بن بشار، المتوفى سنة 328 هـ قيل: "إنه كان يحفظ ثلاث مائة ألف شاهد من القرآن الكريم" ([123]).

وقد سُئل: "كم تحفظ؟ فقال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقاً، ثم قال محمد بن جعفر: وهذا مما لم يحفظه أحد قبله ولا بعده، وكان أحفظ الناس للغة والشعر والتفسير، وحدث أنه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيراً من تفاسير القرآن بأسانيدها، وقال عنه أبو سعيد بن يونس، كان أبو بكر آية من آيات الله تعالى في الحفظ" ([124]).

ومما قيل في هذا الرجل الأعجوبة: "إن هذا الرجل لو سمع أو قرأ مائتي تفسير بأسانيدها لحفظها وكان لا يملي إلا من حفظه، ومرض يوماً فجاءه أصحابه، فرأوا من انزعاج والده أمراً عظيما فطيبوا نفسه فقال: كيف لا أنزعج وهو يحفظ جميعَ ما ترون، وأشار إلى خزانة مملوءة كتباً، وأعجب ما عرف من أمره أن جارية للراضي بالله سألته يوماً عن شيء في تعبير الرؤيا فقال: أنا حاقن، ثم مضى من يومه فحفظ كتاب الكرماني وقد صار معبراً للرؤيا" ([125]).

وقد ذكرنا من قبل كيف كان يعتمد نظاماً غذائياً لكي لا ينسى ما حفظ، وكيف ابتعد عن أكل المالح لاعتقاده أنه يورث النسيان.

26- أبو عمر الزاهد المعروف بغلام ثعلب المتوفى سنة 345هـ، نقل الذهبي عن الخطيب قوله: حدثنا علي بن أبي علي عن أبيه قال:
"ومن الرواة الذين لم ير قط أحفظ َمنهم أبو عمرو غلام ثعلب، أملى من حفظه ثلاثين ألف ورقة لغة فيما بلغني، وجميع كتبه إنما أملاها بغير تصنيف، ولسعة حفظه اتهم.
وكان يسأل عن الشيء الذي يقدر أن السائل وضعه، فيجيب عنه، ثم يسأله غيره بعد سنة، فيجيب بجوابه
" ([126]).

27- ومن الحفظة المغاربة إبراهيم بن عثمان أبي القاسم بن الوزان المتوفى سنة 346هـ شيخ المغرب في النحو واللغة، حفظ كتاب سيبويه والمصنف الغريب وكتاب العين وإصلاح المنطق، وأشياء كثيرة ([127]).


28- علي بن عيسى الربعي المتوفى سنة 420هـ قال عنه ابن الخشاب: "كان يحفظ الكثير من أشعار العرب مما لم يمكن غيره أن يقوم به" ([128]).

29- أبو العلاء المعري الشاعر اللغوي المعروف المتوفى سنة 449هـ، قال عن نفسه: "ماسمعت شيئاً إلا حفظته، وما حفظت شيئاً فنسيته" ([129]).

30- ابن سيدة اللغوي المعروف، المتوفى سنة 458هـ كان ضريراً أعجوبة من أعاجيب الدنيا، ويكفي لبيان نباهته وحفظه أن نقول:
"إنه أملى المخصص إملاء عن ظهر قلب كما أنه قرأ غريب المصنف على أبي عمر الطَّلمنكي من أوله إلى آخره من حفظه" ([130]).

ومن عرف المخصص يدرك نباهة هذا الرجل وعبقريته فحفظ ما هو لغوي أدق وأصعب من حفظ ما هو نحوي أو صرفي.

31- مكي بن محمد النحوي أبو الحرم، المتوفى سنة 501هـ قرأ على ابن بابشاذ وحفظ شرح الجمل له، وحلف لا بد له كل يوم من قراءة كراس من شرح الجمل وإلَّا تصدق بدرهم ولم يزل كذلك إلى أن مات بالإسكندرية ([131]).

32- ابن الشجري المتوفى سنة 542 هـ وصف بأنه كان فصيحا ًحلو الكلام حسن العبارة والإفهام قيل عنه: "صنف وأملى كتاب الأمالي، وهو كتاب نفيس يشتمل على فنون" ([132]).

33- أحمد بن علي المعروف ببوجعفرك بكاف في آخره للتصغير في اللغة الفارسية المتوفى سنة 544هـ، نقل السيوطي عن ياقوت قوله:
"قرأ الصحاح على الميداني وحفظه عن ظهر قلب" ([133]).

34- الخضر بن ثروان بن أحمد الثعلبي كان حياً سنة 544هـ، نقل السيوطي عن ياقوت قوله فيه: "وله محفوظات كثيرة منها المجمل وشعر الهذليين وشعر رؤبة وذي الرمة" ([134]).

35- الحسن بن ظهير النعماني المتوفى سنة 589 هـ، قال عنه السيوطي: "إنه كان يحفظ في كل فن كتاباً" ([135]).

36- ابن الدهان العلامة وجيه الدين أبو بكر المبارك بن المبارك المتوفى سنة 612هـ، قرأ على أبي البركات الأنباري جملة من كتب النحو واللغة والشعر من حفظه، و أضاف ابن النجار قائلاً:
"وذكر لي أنه قرأ نصف كتاب سيبويه من حفظه عليه أيضا وأنه كان يحفظ في كل يوم كراسا في النحو ويفهمه ويطارح فيه حتى برع، وكان شديد الذكاء ثاقب الفهم، كثير الحفظ" ([136]).

37- الكندي تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن المتوفى سنة613هـ حفظ القرآن وهو صغير ثم حفظ القراءات وله عشر سنين قال عنه بن النجار:
"أظنه يحفظ كتاب سيبويه ما دخلت عليه قط إلا وهو في يديه يطالعه، وكان في مجلد واحد رفيع يقرؤه بلا كلفة وقد بلغ التسعين".

وقال عنه الذهبي:
"كان يروي كتبا كباراً من كتب العلم، وروى عنه كتاب سيبويه علم الدين القاسم بن أحمد الأندلسي، وكان الملك المعظم ابن عم الملك الأفضل الأيوبي يقرأ عليه دائماً، فقرأ عليه كتاب سيبويه نصا ًوشرحًا، وكتاب الحماسة، وكتاب الإيضاح، وأشياء كثيرة" ([137]).

38- الطبيب موفق الدين عبد اللطيف البغدادي المعروف بابن اللبَّاد، المتوفى سنة 620هـ، غلب عليه علم الطب والأدب قال عن نفسه:
"سمعت الكثير وكنت أتلقن وأتعلم الخط، وأحفظ المقامات والفصيح وديوان المتنبي، ومختصرات الفقه، ومختصراً في النحو.... وصرت أتكلم على كل بيت كراريس، ثم حفظت أدب الكاتب لابن قتيبة، ومشكل القرآن له، واللمع..... وحفظت التكملة في أيام يسيرة، كل يوم كراس" ([138]).

39- ابن معطٍ النحوي المعروف المتوفى سنة 628 هـ قال السيوطي عنه: "كان يحفظ شيئاً كثيراً ومن جملة محفوظاته كتاب (صحاح الجوهريوكانت لديه القدرة على نظم المعاجم والكتب، نظم كتاب الصحاح للجوهري ولم يكمله ونظم كتاب الجمهرة لابن دريد، ونظم كتاباً في العروض، وقصيدة في القراءات السبع" ([139]).


40- محمد بن عمر المعروف بابن المرجل المتوفى سنة 716 هـ، وصفه الشوكاني بقوله: "كان أعجوبة في الذكاء والحفظ، حفظ المفصل في يوم، وحفظ ديوان المتنبي في جمعة، والمقامات في كل يوم مقامة، وكان لا يمر بشاهد للعرب إلا حفظ القصيدة كلها" ([140]).

41- السيد علي حسن النعمي المتوفى سنة 1067 هـ، قال عنه الشوكاني: "كان يأتي على أكثر الكشاف غيباً" ([141]).

ـــــــ ،،، ـــــــ

ولا يفوتنا أخيراً أن نشير إلى أن كتب تراجم اللغويين والنحويين ذكرت في تراجمها بعض العلماء الذين اشتهروا بالأنساب والتاريخ وكانوا آيات في الحفظ أيضاً من هؤلاء:
1- هشام بن محمد بن السائب الكلبي المتوفى سنة 204 هـ في خلافة المأمون "كان كثير الرواية وأعلم الناس بالنسب" كما قال عنه أبو الطيب ([142]).

ونقل الأنباري في نزهة الألبا عن محمد بن السري قوله: قال لي هشام بن الكلبي: "حفظت ما لم يحفظ أحد، ونسيت ما لم ينسه أحد، كان لي عم ٌّيعاتبني على حفظ القرآن، فدخلت بيته وحلفت أني لا أخرج حتى أحفظ القرآن فحفظته في ثلاثة أيام" ([143]).

2- ونقل عن الواقدي قاضي بغداد، أبي عبد الله محمد بن عمرو بن واقد السلمي المتوفى سنة 207 هـ، أنه كان يقول: "حفظي أكثر من كتبي، وكانت كتبه 120 حملاً" ([144]).

3- الطبري أبو جعفر محمد بن جرير المتوفى 310 هـ، العالم المشهور، وصفه ابن النديم بأنه كثير الحفظ، وأن إسحاق بن محمد رأى أبا جعفر الطبري يقرأ عليه شعر الطرماح وشعر أبي الطيب ([145]).



هذا قليل من كثير ونقطة من بحر، إذ لو أردنا الاستقصاء لاجتمع لدينا الآلاف من أسماء العلماء الذين وُهبوا هذه المهارة، و ينتسبون إلى فنون العلوم الشرعية واللغوية.

ـــــــ ،،، ـــــــ

لقد اشتهر القوم الأسلاف بهذه المهارة فحفظوا لنا العلوم والفنون، ولم تنقطع هذه المهارة عبر التاريخ بل استمرت إلى عصرنا الحاضر، فكلنا يعلم ما وصل إليه إخواننا الشناقطة في هذا الجانب، لقد نقل عنهم الأعاجيب التي يكاد المرء يشك فيها لولا أن القوم هم من هم في الورع والتقوى والقرب من الله، فوهبهم هذه العطايا، ومنحهم هذه المنح، قال العلامة محمد الحسن الددو الشنقيطي: بأن أستاذه محمد سيدي عبد الله الحجاج أخبره:
"بأن علوم المذاهب كلَّها لو قُذِفتْ في البحر فلم يبق منها شيء لتمكنتُ أنا وتلميذي ألفَعْ الدّيماني من إعادتها دون زيغ أو نقصٍ يتولى هو المتون وأتولى أنا الشروح".

وأضاف قائلاً: "وقد ذكروا أن محمد محمود بن أحمذية كان يحفظ مقامات الحريري والمستطرف وكامل المبرد والوسيط وديوان البحتري، وديوان أبي تمام، وديوان المتنبي، وهذا كله في الأدب وحده فكيف به في الفقه وعلوم الشريعة..!".

"وكان سيدي المختار يحفظ الإتقان في علوم القرآن وفتح الباري وشرح صحيح الإمام البخاري، وتحدث عن جده الشيخ محمد عالي: بأنه كان يسمع القصيدة الطويلة فيحفظها من المرة الواحدة، وقد يسمعها في مناجاة يناجي بها الإنسان آخر فيحفظها هو" ([146]).

وذكر عن الشيخ ماء العينين الشريف أنه: "حفظ نصف مختصر الخليل في يومين، وحفظ الألفية في جزء يوم" وأضاف قائلاً: "وكان آية من آيات الله في الحفظ" ([147]).

ولم يقتصر هذا التفرد على الرجال دون النساء عندهم، قال العلامة محمد الددو: "إن مريم بنت لّلا كانت تحفظ القاموس المحيط عن ظهر قلب حفظته مادةً مادة، عندما كان أبوها يرسلها إلى خيمة جاره لكي تبحث له عن معنى كلمة" ([148]).

وكان بعض النساء عندهم يحفظن موطأ الإمام مالك ([149]).

فلله در أمة محمد على ما منحهم الله من فضائل ومواهب وشيم إنه هو المعطي الوهاب.

ـــــــ ،،، ـــــــ

وبعد هذا العرض لهذه المهارة عند القدماء والمحدثين، لابد أن يتساءل المرء:
- هل أهل التراجم كانوا يتسامحون في استعمال لفظة (الحفظومشتقاتها ؟

- هل أطلقوها والمراد منها القراءة أو الفهم فقط ؟

فالحق أقول: إني وجدتهم دقيقين جداً في وصف من يترجمون له، فهاهو الذهبي نقل عن ابن نجار قوله في تاج الدين الكندي:
"أظنه يحفظ كتاب سيبويه" ([150]).

وها هو أيضاً السيوطي حين ترجم لمحمد بن علي المعروف بالشريف، نقل عن أبي حيان في النضار ما يدل على أنهم يميزون بين من يدرس ويفتش ومن يحفظ، قال أبو حيان:
"كان بمُرَّاكش يدرِّسُ كتاب سيبويه والفقه والحديث ويميل إلى الاجتهاد، وله مشاركة في الأصول والكلام والمنطق والحساب" وأضاف قائلاً: "ويغلب عليه البحث لا الحفظ، مات عام اثنين وثمانين وستمائة" ([151]).

ومن ذلك أيضاً قول السيوطي في ترجمة محمد بن علي السلاقي النحوي الأديب: "كانت له شهرة بمُرّاكش وكان يقرأ كتاب سيبويه، ومن أحفظ الناس للكامل وغيره من كتب الأدب مات سنة 605 هـ"([152]).

وذكر السيوطي أيضاً في ترجمة سليمان بن مطروح الحجاري المتوفى سنة 390 هـ نقلاً عن ابن عبد الملك ما نصه:
"(يكاد يملي) الغريب المصنف لأبي عبيد وغيره من حفظه" ([153]).

فقوله (يكاد يملي) يدل على مدى الدقة التي استعملها القوم في وصف من يترجمون له، فهم على إدراك بوجوب التفريق بين الحفظ عن ظهر قلب أو الفهم أو التعليم، وتبدو الدقة واضحة فيما ذكره الشوكاني عن السيد علي بن حسن النعمي قال: "كان يأتي على أكثر الكشاف غيباً" ([154]).

وكان ضياء بن سعد القِرْمي العفيفي المتوفى سنة 780 هـ كما قال السيوطي:
"يحل الكشاف والحاوي حلاً إليه المنتهى، حتى يظن أنه يحفظهما، وحُكي عن عبد الله بن الحسن السعدي اليحصبي المتوفى سنة 557 هـ أنه كان يحفظ كتاب سيبويه كحفظه للقرآن عارفاً مع ذلك بالقراءات والفقه" ([155]).

فانظر كيف استعمل السيوطي (الحفظ) مريداً به الحفظ عن ظهر قلب، مفرقاً بينه وبين معرفة المترجم له للفقه والقراءات.

كل ذلك يدعونا إلى القول: (إن ما ذكروه ليس فيه مبالغة، فهو الحقيقة عينها، والله يعطي الفضل لمن يشاء وكيف يشاء وفي أي وقت يشاء).

ورحم الله القائل:

وإذا لم تر الهلال فسلِّمْ *** لأُناسٍ رَأَوه بالأبصار

ولله در من قال أيضاً:

إذا قالتْ حذام فصدقوها *** فإنَّ القولَ ما قالت حذام

ـــــــ ،،، ـــــــ

والآن بعد انتهائنا من تقديم هذه الصورة الجميلة الرائعة لأسلافنا العلماء في شتى صنوف المعرفة، يحق لنا أن نتساءل:
- لماذا بدأت الجامعات العربية تتخلص مفرداتها في أقسامها العلمية المتنوعة عن ذكرها تلك المتون التي يجب أن يحفظها طالب العلم في تخصصه ؟

- لماذا لا نجد لها ذكراً بين المهارات مع أن القدماء أشاروا إليها وحثوا عليها ؟

قال ابن قتيبة: "كان يقال أول العلم الصمت، والثاني الاستماع، والثالث الحفظ، والرابع العقل، والخامس نشره" ([156]).

وقال ابن المبارك: "أول العلم النية ثم الاستماع ثم الفهم ثم العلم ثم الحفظ ثم النشر" ([157]).

لقد أثمر المنهج الذي ساروا عليه ثمراتٍ يانعة، فلماذا لا نتابع المسيرة فنسير على منوالهم ونسلك سبلهم ونهتدي بهديهم، لتبقى علوم حضارتنا العربية شامخةً وضاءة تمدنا بالقوة وتحصننا من هجمات أعدائنا، لنبقى غير قابلين للذوبان والانصهار، نسأل الله أن يهدينا سواء السبيل.

ـــــــ ،،، ـــــــ

وإني بعد تطوافي مع عباقرة هذه المهارة أخلص إلى رسم الملامح العامة لهذه المهارة على نحو ما بدت لي وهي:
1- أن هذه الظاهرة تجلت واضحة عند العرب، لأنهم في الأصل أمةٌ أمية، فكان لا بد من الاعتماد على هذه الموهبة الربانية، ثم رعايتها وتنميتها حتى صارت من خصائص علمائنا وصفاتهم.

2- أن ظاهرة الحفظ توزعت على علوم حضارتنا فنجدها في العلوم الشرعية واللغوية، وأحسب أننا لا نعدم هذه الظاهرة عند علمائنا من أهل العلوم التجريبية وابن سينا خير دليل على ذلك.

3- أن القدماء رسموا لنا طريق الحفظ ومنهجه فتحدثوا عن دواعيه وأسبابه ووسائله، و سبل الحفاظ عليه وأوقاته، فصارت هذه المهارة جزءاً من طبيعة العلوم التي تطلبها.

4- انتبه القدماء إلى وسائل تقوي الحفظ وتمنع نسيانه فلجؤوا إلى وسائل كثيرة بعضها أشار إليها الشارع الحكيم، وبعضها يتعلق بنظام غذائي على نحو ما فصلنا.

5- أن بعضهم بقيت موهبته نشيطة، وحافظ على مخزونه المحفوظ، فحدث بمحفوظه بعد بلوغه الثمانين سنة.

6- أن هناك كتباً فضلاً عن (القرآن الكريم) و (الأحاديث النبوية) الشريفة كُتب لها القبول عند العلماء فحفظوها عن ظهر قلب منها:
كتاب (العين) للخليل.
و (الكتاب) لسيبويه.
و (المجمل) لابن فارس.
و (إصلاح المنطق) لابن السكيت.
و (الفصيح) لثعلب.
و (الجمهرة) لابن دريد.
و (الصحاح) للجوهري.
و (الكشاف) للزمخشري.
و (الجمل) للزجاجي.
و (أشعار هذيل ورؤبة وذي الرمة).
و (ديوان المتنبي).
و (مقامات الحريري).

7- أن بعضهم ظهر حفظه في إملائه وتدريسه كالفراء وابن سيدة.

8- اقتصرت دلالة (الحافظ) على الحافظ لكتاب الله ثم على الحافظ لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، أما أهل اللغة فغلب على الحفظة منهم أن يقال فيه الراوية -والتاء هنا للمبالغة-.

9- أن ماذكره أهل التراجم في وصف الحفظة هو الواقع المشهود، فليس في هذه الأوصاف مبالغة أو بعدٌ عن الحقيقة.

10- أن الغاية من الحفظ هو ضبط العلم لنشره.

11- أن بعض العلماء لم يك يكتفي بحفظ كتاب واحد في فن واحد بل تعدى ذلك إلى حفظ عدد من الكتب المتنوعة.

12- لم تكن الغاية من الحفظ، الحفظ عن ظهر قلب بلا إدراك للمعنى، لقد اجتمعت المهارتان الفهم والحفظ عند الحفظة، يؤكد ذلك أن بعض العلماء أملوا محفوظاتهم إملاء في مجالسهم العلمية.

وإن كان ثمة وصية نوصي بها فهي أنه يجب علينا أداء للأمانة أن نبين لطلاب العلم أهمية هذه المهارة ونعرفهم عليها بذكر مظاهرها عند قدمائنا، وأن نشجعهم على القيام بها سواء عن طريق المكافآت المادية أو المعنوية، وإني لأحيي وأشكر بعض الجمعيات العلمية التي لها صلة بوزارة الأوقاف، لاهتمامها حتى الآن بهذه المهارة، لقد قرأت كثيراً على أبواب المساجد الإعلانات التي تحتوي على بعض الدروس الشرعية متضمنة حفظ المتون أيضاً، في الوقت الذي بدت هذه المهارة تنحسر في الجامعات وتخلو منها مفردات المناهج.

أسأل الله أن يهب هذه المهارة طلبة العلم، وأن يحرصوا عليها لئلا تصير من المهارات المنسية.

فهي مهارة يحق لنا أن نفتخر بها، وأن تكون رمزاً من رموز معالمنا الحضارية، وقمراً مضيئاً في سماء تاريخنا العظيم، رحم الله أبا حاتم السجستاني حين قال:


أبرزوا وجهك الجم *** يلَ ولاموا من افتتنْ
لو أرادوا صيانتي *** ستروا وجهك الحسنْ

نعم، يحق لنا أن نكشف عن مآثر الأجداد وشمائل الآباء وفضائل العلماء عملاً بقوله تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث).

فأحفادنا سيستضيئون بأنوار هؤلاء، وسيهتدون بهديهم، والأمم القوية هي التي لا يغيب عن بالها شموس علمائها المشرقة، وأقمار رجالاتها المضيئة.

ـــــــ ،،، ـــــــ



وأخيراً:

أولئك آبائي فجئني بمثلهم *** إذا جمعتنا يا جرير المجامع


(وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.

ـــــــ ،،، ـــــــ

المصادر والمراجع:

1- الأنيس في الوحدة للشيخ محمد أديب كلكل نشر مكتبة دار الدعوة حماة - الطبعة الأولى 1430هـ - 2009م.
2- أيها الولد، والقواعد العشر، للغزالي، نشر وتحقيق محمد أديب كلكل - مكتبة دار الدعوة حماه، سورية.
3- إتحاف فضلاء البشر للدمياطي، تصحيح علي محمد الطباع، دار الندوة الجديدة بيروت - لبنان، نسخة مصورة عن طبعة عبد الحميد أحمد حنفي بمصر- 1359هـ.
4- الإتقان للسيوطي، تحقيق مركز الدراسات القرآنية، بمجمع الملك فهد، بالمدينة المنورة، الطبعة الثانية 1431هـ - 2010م.
5- البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي، نشر مطابع النصر الحديثة، الرياض.
6- البدر الطالع، للشوكاني، مكتبة ابن تيمية، القاهرة.
7- بستان العارفين للسمرقندي مع تنبيه الغافلين، الناشر دار الكتاب العربي - الطبعة الثامنة، 1408هـ - 1988.
8- بغية الوعاة للسيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم - المكتبة العصرية صيدا - لبنان وطبعة أخرى بتحقيق علي محمد عمر - مكتبة الخانجي - الطبعة الأولى - 1426هـ - 2005.
9- تاج اللغة وصحاح العربية، للجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار دار العلم للملايين، بيروت، لبنان -1399هـ.
10- تاريخ العلماء النحويين، للتنوخي، تحقيق الدكتور عبد الفتاح الحلو، مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1401هـ - 1981م.
11- التبيان في آداب حملة القرآن، للنووي، تحقيق محمد الحجار، الطبعة الأولى، دار الصابوني.
12- ترتيب العلوم للمرعشلي المشهور بساجقلي زاده، دراسة محمد بن إسماعيل السيد أحمد، دار البشائر، بيروت، الطبعة الأولى - 1408هـ -1988م.
13- الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، تحقيق الدكتور عبد الله التركي ومشاركيه، مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى - 1427هـ - 2006م.
14- الديباج المذهب، لابن فرحون، تحقيق الدكتور محمد الأحمدي أبو النور، دار التراث للطباعة والنشر، القاهرة.
15- روح المعاني للآلوسي، دار الفكر، 1398هـ 1987 م.
16- شذرات الذهب لابن العماد، تحقيق مصطفى عبد القادر العطا، التوزيع دار الباز بمكة المكرمة.
17- الطب النبوي، لابن قيم الجوزية، تحقيق شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط، الطبعة الثانية 1422 هـ، 2001 م.
18- العقد الثمين في تراجم النحويين للذهبي، تحقيق الدكتور يحيى مراد، دار الحديث، القاهرة.
19- العقد الفريد لابن عبد ربه، شرح إبراهيم الأبياري، تقديم الدكتور عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، لبنان.
20- العمدة في صناعة الشعر ونقده لابن رشيد القيرواني، القاهرة 1925.
21- عيون الأخبار لابن قتيبة، دار الكتاب العربي، طبعة مصورة عن طبعة دار الكتب المصريبة 1343هـ 1925 م.
22- فقه العصر، للشيخ محمد الحسن الددو، محاورة الدكتور عادل باناعمة، الطبعة الأولى، مؤسسة طريق الأمة للنشر والتوزيع جدة، 1429 هـ 2000 م.
23- الفقه المبسط، لمحمد أديب كلكل، الطبعة الخامسة، توزيع المكتبة العربية، حماة، سوريا 1412 هـ 1992 م.
24- الفهرست لابن النديم، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت لبنان.
25- القاموس المحيط للفيروز أبادي الطبعة الثانية، مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1371 هـ 1952 م.
26- الكامل للمبرد، دار الفكر للطباعة للنشر، بيروت لبنان.
27- لزوم ما لايلزم، للمعري، عمر أبو النصر، الطبعة الثانية، 1969م، مطبعة النجوى، بيروت، لبنان.
28- المزهر، للسيوطي، تحقيق محمد أحمد جاد المولى وزملائه، مطعبة عيسى البابي الحلبي وأولاده.
29- المستطرف من كل فن مستظرف، للأبشيهي، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، بيروت لبنان، 1397 هـ 1977 م.


______________________
([1]) الديباج المذهب 2/408.

([2]) المستطرف 1/43.
([3]) انظر الصحاح والقاموس المحيط والمصباح المنير، حفظ.
([4]) المصباح المنير، حَفِظ.
([5]) الصحاح والقاموس المحيط والمصباح المنير، حفظ.
([6]) المصباح المنير، حفظ.
([7]) الصحاح، حفظ.
([8]) الصحاح، حفظ.
([9]) الصحاح، والقاموس المحيط والمصباح المنير، مادة نسي.
([10]) المصباح المنير، نسي.
([11]) المعجم الوجيز، نسي.
([12]) المستطرف 1/29.
([13]) المستطرف، 1/110.
([14]) شذرات الذهب 2/187.
([15]) المقدمة، 526 527.
([16]أورده صاحب العقد الفريد بلا سند، 5/258، 6/9.
([17]) المستطرف 1/111.
([18]) العمدة 1/197.
([19]) المستطرف 1/111.
([20]) شذرات الذهب 1/390.
([21]) البغية 1/244 (علي عمر).
([22]) بستان العارفين 93 -فيه نظر ويحتاج إلى مراجعة للتحقق من صحته-.
([23]) البغية 1/501 (تحقيق علي عمر) -فيه نظر ويحتاج إلى مراجعة للتحقق من صحته-.
([24]) شذرات الذهب 2/ 244.
([25]) انظر المستطرف 1/45.
([26]) انظر فقه العصر 119.
([27]) عيون الأخبار 1/121.
([28]) أيها الولد والقواعد العشر للإمام الغزالي تحقيق: محمد أديب كلكل 8 (المقدمة).
([29]) الإتحاف 17.
([30]) الإتحاف 5.
([31]) ترتيب العلوم 108 أ -بتصرف-.
([32]) التبيان في آداب حملة القرآن، 22، والإتقان 2 / 2109، وانظر تخريج الأحاديث في الكتابين المذكورين.
([33]) التبيان 31، والجامع للقرطبي 1/47، وانظر تخريج الحديث في المرجعين السابقين.
([34]) الجامع 1/6-17 وانظر تخريج الحديثين في هامش المرجع المذكور.
([35]) انظر التبيان، 15.
([36]) بستان العارفين، 92 -وقد بحثت عنه في كتب السنة ولم أجده-.
([37]) روح المعاني 29/178.
([38]) البحر المحيط 2/387.
([39]) البحر 8/458.
([40]) الجامع 1/37.
([41]) الإتحاف 17 وانظر الإتقان 2/666.
([42]) انظر هذه الأحاديث وتخريجاتها في التبيان 96-98 وانظر الجامع للقرطبي 1/37، والإتقان 2/667.
([43]) التبيان، 98، وانظر تخريج الحديث في الهامش.
([44]) انظر التبيان 25، والإتقان 2/666.
([45]) البغية 2/314.
([46]) المراتب 95.
([47]) المستطرف 1/43.
([48]) روح المعاني 15/5.
([49]) عيون الأخبار 3/125.
([50]) الفقه المبسط، لمحمد أديب كلكل 8، (المقدمة).
([51]) المستطرف 1/42.
([52]) المستطرف 1/42.
([53]) المستطرف 1/42.
([54]) المستطرف 1/43.
([55]) شذرات الذهب 2/85.
([56]) شذرات الذهب 2/80.
([57]) الخيش: ثياب في نسجها رقه، القاموس المحيط، خيش.
([58]) في الأصل الحُب بضم الحاء، إناء معروف للماء، والصواب ما أثبتناه لأن مراده أنه وعاء غير مثلج.
([59]) نزهة الألبا 232- 233.
([60]) الطب النبوي، لابن القيم، 355.
([61]) الطب النبوي، 355.
([62]) الطب النبوي، ابن القيم 355.
([63]) بستان العارفين 57.، والطب النبوي 355.
([64]) التبيان 69.
([65]) البغية 1/259.
([66]) المستطرف، 1 / 37.
([67]) فقه العصر، 138.
([68]) فقه العصر 131.
([69]) عيون الأخبار 2/130.
([70]) المستطرف 1/42.
([71]) شذرات الذهب 2/50.
([72]) شذرات الذهب 2/92.
([73]) شذرات الذهب 2/84.
([74]) شذرات الذهب، 2/81.
([75]) الفقه المبسط للشيخ محمد أديب كلكل الصفحة 8 المقدمة، والأنيس في الوحدة 1/ 232، وعدد أحاديث الموطأ ألف وتسعمائة واثنان وأربعون حديثا.
([76]) شذرات الذهب 2/226، بتصرف.
([77]) شذرات الذهب 2/376.
([78]) شذرات الذهب 2/268.
([79]) المستطرف 1/43.
([80]) شذرات الذهب 2/303.
([81]) شذرات الذهب 2/212.
([82]) شذرات الذهب 2/335.
([83]) شذرات الذهب 2/287.
([84]) البغية 2/331.
([85]) العقد الثمين 60.
([86]) العقد الثمين 61.
([87]) العقد الثمين 195.
([88]) البدر الطالع 1/70.
([89]) البدر الطالع 1/506.
([90]) البدر الطالع 1/87.
([91]) الأنيس في الوحدة 1/218.
([92]) الكامل 3/128.
([93]) مراتب النحويين 44.
([94]) شذرات الذهب 1/390.
([95]) العقد الثمين 226.
([96]) العقد الثمين 22- 143 بتصرف.
([97]) مراتب النحويين 81.
([98]) المراتب 136.
([99]) مراتب النحويين 120 والمزهر للسيوطي 2/407.
([100]) العقد الثمين، للذهبي 109.
([101]) نزهة الألبا 86 والمزهر 2/411.
([102]) مراتب النحويين 109.
([103]) نزهة الألبا 39.
([104]) مراتب النحويين 74، و العقد الثمين 22.
([105]) مراتب النحويين 95، وانظر شذرات الذهب 2/129.
([106]) البغية 2/108.
([107]) شذرات الذهب 2/124.
([108]) البغية 2/35 38 (تحقيق علي عمر)، وانظر تاريخ العلماء للتنوخي 186.
([109]) شذرات الذهب 2/187.
([110]) الفهرست 241.
([111]) العقد الثمين 40 وانظر مراتب النحويين 147 ونزهة الألبا 134.([112]) العقد الثمين 36.
([113]) الفهرست 69.
([114]) البغية 1/244 (تحقيق علي عمر)، المَرْتُ من الأرض: القفر الذي لا نبت فيه.
([115]) الفهرست 66.
([116]) البغية 1/457.
([117]) الفهرست 110.
([118]) الفهرست 111.
([119]) البغية 2/125، واستسرف أي زاد في التبجيل.
([120]) المراتب 136.
([121]) شذرات الذهب 2/491.
([122]) العقد الثمين 236.
([123]) نزهة الألبا 237.
([124]) نزهة الألبا 233.
([125]) انظر الأنيس في الوحدة 2/45.
([126]) العقد الثمين 29.
([127]) الديباج المذهب لابن فرحون 1/278، والعقد الثمين للذهبي 68 والبغية 1/403 (تحقيق علي عمر).
([128]) البغية 2/181.
([129]) لزوم مالا يلزم 2/100.
([130]) البغية 2/138.
([131]) البغية 2/289.
([132]) العقد الثمين 59.
([133]) البغية 1/332 علي عمر.
([134]) البغية 1/532 علي عمر.
([135]) البغية 1/483 تحقيق (علي عمر).
([136]) العقد الثمين 52.
([137]) العقد الثمين 180.
([138]) العقد الثمين 199.
([139]) البغية 2/332.
([140]) البدر الطالع 2/234، وفي الأصل في مائة يوم، ولعل الصواب فيما أثبتناه لأن حجم المفصل لا يحتاج حافظه إلى هذه المدة إذا كان قد حفظ ديوان المتنبي في جمعة.
([141]) البدر الطالع 2/162 (الملحق).
([142]) مراتب النحويين 113.
([143]) نزهة الالبا 84.
([144]) شذرات الذهب 2/96.
([145]) الفهرست 326.
([146]) فقه العصر 130.
([147]) فقه العصر 124.
([148]) فقه العصر 120.
([149]) فقه العصر 122.
([150]) العقد الثمين 180.
([151]) البغية 1/182 (علي عمر).
([152]) البغية 1/184 (علي عمر).
([153]) البغية 1/583 (علي عمر).
([154]) البدر الطالع 2/162 الملحق.
([155]) البغية 2/35.
([156]) عيون الأخبار 3/122.
([157]) الديباج المذهب 1/408.

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم ،
    بارك الله فيك يا شيخي الحبيب.
    أخوك توهامي.

    ردحذف