منهج التأصيل العلمي في العلوم الشرعية | د. عبدالله بن محمد بن المهدي الأنصاري

منهج التأصيل العلمي في العلوم الشرعية

د. عبدالله بن محمد بن المهدي الأنصاري

عضو هيئة التدريس

جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

كلية اللغة العربية 

النحو والصرف وفقه اللغة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد: فإنه لما عُنيتُ بمحاولة تدريس العلوم على قدر وُسْعِي القاصر، نشرًا للعلم، وإدراكا لتعليمه لمن ينتفع به، استباقًا للمنية قبل أن تباغت، أو غيرها من الْمُدْنيات التي تحول دون المرء ورغباته، فلما كان ذلك وتوالت عليّ التماسات طلابي الجادِّين بإلحاح، يرغبون إليَّ في وضع منهج أرتضيه لتأصيل من يُرجَى فيه الانتماء للعلم وأهله، وتأهيله للدخول إلى الرياض الفسيحة فيه، والخوض في أعماق بحورِه، وليس هذا بمُؤتٍ لأحد دون أن يتأسس تأسُّسًا متأصِّلًا، رسمتُ المنهج الآتي بشرطه الْمُفتتَحِ به، وعليه أسيرُ في تدريسي:

أولا: الشرط، ويتكون من قسمين اثنين:

القسم الأول: تصحيح النية بأن تكون خالصة لله، بأن ينوِي الطالبُ التقرب بهذا العلم إلى الله، بنَفع نفسه وإنقاذها من ظلام، الجهل، فيكون مقصوده التمييز بين الحلال والحرام، وإنقاذ نفسِه من سلطان الشهوات، وأباطيل الشبُهات، ومعرفة ما تكون به عمارة الأرض ونَفْع عبادِ الله، والعمل وَفْق ذلك، مع الحذر الشديد من الرياء والسُّمْعة والغرور، ومن ابتغاء الأغراض الدنيوية الدَّنِيَّةِ المنافية للإخلاص، غير المتفقة مع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه.

القسم الثاني: لزوم منهج السنة والجماعة، والتمسك بالحق، والصبر عليه والقول به ما استطاع، وترك التعصب للمذاهب والآراء والمشايخ، والحذر من التعصب للآباءِ والقبائل والأوطان، ويجب عليه عدم التعصب للخطأ إذا ظهر، والحذر من رد الحق، ومن الغرور والكبرياء وعدم التراجع عن الرأي خوفًا من اهتزاز السمعة عند الناس، والحذر من الحسد ورؤية الفضل على غيره، والتظافر بالعلم والاستئثار به وكتمانه، والجدال المذموم، ونحو ذلك من الموبقاتِ التي تحجب عنه العلم والتوفيق، فالعلم نورٌ، وهذه الأمور ظلامٌ توجب حجبه عن صاحبها.

ثانيا: المنهج: يتكون المنهج من الخطوات التالية:

1. الاستعداد: بالتمرُّنِ على الحفظِ وتكوينِ مَلَكَتِه، والتعوّد عليه، وهذا يكون بطول المدة مع كثرة التزام الْحِفظِ والتفرغ له في أوقاتٍ متعددةٍ، وطوِيلَةٍ أحيانًا، أو قصيرةً، حَسب النشاط، ولا سيما في ساعات النشاط الذهني، وهي غالبًا: وقت السَّحَر، وبعد الفجر، وبعد القيلولة، مع تجنُّب أماكن المزعجاتِ، وأكثرها: الأصوات والضوضاء، والشواغل، وسوء التهوية، وأماكن انبعاث الروائح الكريهة، ووجود المناظر الكئيبة.. ونحو ذلك من مكَدِّرات الخاطر.

ويجب في مرحلة الطلَب عمومًا ومرحلة تكوين مَلَكَة الحفظ خصوصًا الحذر من كثرة النوم، ودواعي الكسل والخمول مهما تكن، كالعمل المرهق، والجوع الْمُعْيي، والشِّبَع الْمُفْرِط، وكثرة الأكل وتتبع الملذات. 

2. حفظ القرآن الكريم غيبًا مع تجويده لفظًا وأداءً. ثم الالتزام بورده اليومي فيه بعد إتقان حفظه. مع حفظ الأربعين النووية.

3. المراحل الدراسية وهي أربع:

المرحلة الأولى:

1. التهيئة والتمهيد بدراسة تذكرة السامع والمتكلم لابن جماعة.
2. الابتداء بحفظ المختصرات الجامعة في كل فنٍّ، ومختصرات القدامى أفضل وأقعد في التأصيل العلمي من مختصرات المحدثين، وفي كلٍّ خير، ولْيبدأ بعد القرآن الكريم بعلوم اللغةِ؛ لتفتح له الطريق إلى النصوص الشرعية وفقهها، فليبدأ منها بما أذكره فيما يلي -أو بما يعادله من المؤلفات المماثلة-:
1. حفظ المعلقات السبع، وما تيسر من عيون الشعر، كـ(بانت سعاد) ومقصورة ابن دريد. واختيارات المفضل الضبي...
2. حفظ فصيح ثعلب. مع مطالعة شرحه لابن هشام اللخمي.
3. حفظ مقامات الحريري، مع مطالعة أحد شروحها، ومن أحسن شروحها شرح الشريشي.
4. حفظ الحماسة مع مطالعة شرحها للمرزوقي
5. دراسة كتاب " أدب الكاتب" لابن قتيبة.
6. دراسة كتاب "الصاحبي" لابن فارس.

المرحلة الثانية:

1. التمهيد بدراسة كتابنا: "التأسيس في تعليم النحو" وحفظ أساسه، أو خلاصاته.
2. حفظ متن الأجرومية، أو ملحة الإعراب، أو قطر الندى.
3. حفظ متن الشافية لابن الحاجب، أو التصريف الملوكي لابن جني.
4. حفظ ألفية ابن مالك في النحو.
5. حفظ كتاب "تلخيص المفتاح" لجلال الدين الخطيب.
6. شرح ابن الخباز على لمع ابن جني.
7. دراسة كتاب تسهيل الفوائد في النحو لابن مالك.
8. دراسة مفردات القرآن، ومن أحسن مختصراتها: "النهر الماد" لأبي حيان، ومفردات الراغب الأصبهاني.

المرحلة الثالثة:

1. التمهيد بدراسة كتاب الرعاية في أحكام التجويد لمكي بن أبي طالب.
2. البدء بعرْض القراءات السبع على الشيخ بطريق الإفراد، قراءةً قراءَةً، وليطالع في تحضيرها كتاب السبعة لابن مجاهد، أو التيسير لأبي عمرو الداني.
3. دراسة كتاب البرهان في علوم القرآن للزركشي.
4. روايات الصحابة والتابعين في تفسير القرآن الكريم، كتفسير ابن عباس، وتفسير ابن عيينة، وتفسير سفيان الثوري، وتفسير مقاتل بن سليمان، وتفسير ابن مجاهد...
5. مختصر من مختصرات تفسير الطبري، كمختصر التجيبي، ونحوه، أو مختصر تفسير ابن كثير، كمختصره للصابوني، ونحوه.
6. أحكام القرآن للشافعي بجمع البيهقي.
7. أحكام القرآن لابن العربي.
8. حفظ عمدة الأحكام لابن قدامة
9. حفظ موطأ الامام مالك.
10. حفظ أصول أهل السنة للإمام أحمد بن حنبل.
11. كتاب الصفات للدار قطني.
12. الفقه الأكبر لأبي حنيفة.
13. متن الطحاوية لابن أبي العز.
14. مقدمة رسالة أبي زيد القيرواني في معتقد أهل السنة.

المرحلة الرابعة:

1. التمهيد بدراسة كتاب الشمائل المحمدية للترمذي.
2. الجزء الأول والثاني من كتاب طبقات ابن سعد.
3. الفصول في سيرة الرسول لابن كثير.
4. الروض الأنُف في شرح السيرة للسهيلي.
5. دراسة كتاب الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي.
6. حفظ المنظومة البيقونية في مصطلحات علم الحديث
7. مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث
8. نخبة الفكر لابن حجر.
9. تدريب الراوي للسيوطي
10. شرح البخاري للخطابي.
11. شرح مسلم للنووي.
12. حفظ الرحبية في الفرائض.
13. مختصر البداية والنهاية لابن كثير، أو تاريخ الطبري.
14. حفظ متن الخِرقي في الفقه، أو نحوه من المختصرات الفقهية، كمختصر خليل عند المالكية، وكتاب "رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين" عند الحنفية، وكتاب: "مختصر المزني" عند الشافعية. ونحوها.
15. حفظ مختصر من مختصرات أصول الفقه، ومن أخصرها مع جودته: الورقات لإمام الحرمين.
16. دراسة الرسالة للشافعي.
17. دراسة كتاب مختصر من كتب أصول الفقه، كروضة الناظر، أو نحوه.
18. مطالعة مقدمة ابن خلدون واستخلاص الفوائد منها.
19. مطالعة تراجم العلماء واستخلاص الفوائد منها، ومن أحسنها: كتاب سير أعلام النبلاء للذهبي.

وبعد هذه المقدمة بهذه المراحل الموجزة ينبغي للطالب أن ينطلق في دراسة الموسوعات العلمية النافعة الجامعة في كل هذه الفنون، ويهتم بكتب الخلاف، والاصطلاحات العلمية، والنقد العلمي، ثم بعد ذلك ينتقل إلى مرحلة التأليف.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قاله وكتبه: عبد الله بن محمد بن المهدي الأنصاري
(@ansary1432)