.
قال د. عبد العزيز الحربي:
فكثرة المشيّعين في الجنائز ليست هي العلامة الفارقة بين الصالحين وغيرهم.
___________
الكناشة البيروتية (المجموعة الثالثة).
(بَيننا وبَينهم الجَنَائزُ !!)
قال د. عبد العزيز الحربي:
(بَيننا وبَينهم الجَنَائزُ !!) هذه جملةٌ مشهورةٌ ، قالها أوَّل قائليها – فيما قيل – حين موت الإمام الجليل أحمد بن حنبل رحمه الله، فأرسلها مثلًا للآخرين، وصار في الناس مَن جَعلها مقياسًا يَزِنُ به قبول الميت عند الله تعالى ؛ فمن كان مشيّعوه أكثر كان ذلك علامةً على رِفْعته، وكمالِ صلاحه، وفضلِه على مَنْ سواه .. حقيقةٌ شرعية لديهم لا جدلَ فيها، ولا مِراء !!
وللجُمل الشائعة إذا قارنَ معناها شيءٌ من التعصب وَقْعٌ في النفس يُغلق نافذةَ التفكير، ويُدهشُ الحِسَّ عن النظر في الواقع ؛ فإن الواقع شاهدُ حقٍّ على خَيبة هذه العبارة، وأنه لاحَظَّ لها إلا التعصب، وإن وافقت الواقع في حين من الأحيان، والداعي لكثرة الحاضرين في الجنائز الشّهرةُ وحدَها ؛ عن حبٍّ، أو إعجاب.
وأما القبول فلا نعرف له ضابطًا معيَّنًا نُميّز به مَن لم يُرزَق القبولَ من المسلمين.
وفي الصدّيقين، والشهداء، والصالحين من مات، أو قتل، ولم يُشيع جنازتَه – إن كان ذلك – إلا عددٌ يسيرٌ.
وفي عامة المسلمين مَن حضرها خلقٌ لا يُحصَوْن كثرةً. ولعلّ جنازة الحجاج بن يوسف الثقفي كانت أكثر شهودًا من جنازة سعيد بن جبير، نعم، وكانت جنازة أم كلثوم أكبرَ عددًا وأعزّ نفرًا من جنازة شيخ الأزهر في وقتها، ومن الصالحين الذين آمنوا وكانوا يتقون مَن تَبِعْنا جنائزَهم في نفرٍ لا يزيدون على العشرة، ورَأَيْنا مِن أهل الضلال من تَبِعَ جنازتَه ملايين .. ويُشبِه هذا جماهير الدعاة، والخطباء، والعلماء ؛ فإن كثْرتهم لا سبب لها سوى التميز بنوع من الإلقاء، والأسلوب، أو العلم، أو الحال، أو كل ذلك، ولا تلازُمَ بين عَدِم القبول والقلَّة.
فكثرة المشيّعين في الجنائز ليست هي العلامة الفارقة بين الصالحين وغيرهم.
___________
الكناشة البيروتية (المجموعة الثالثة).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق